أعلن الرئيس الأميركي قرارا بتسمية مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، ليعلن السيد ترمب كما يشاء، فوضع القدس لن يتغير من وجهة نظر العرب، «فالقدس تعرف أهلها، وأهلها يعرفون ماذا تعني القدس لهم»، وكل الشعوب العربية وشعوب العالم الحر المنصفة، تعلم أن هذا القرار الأميركي أتى «ممن لا يملك ليعطي ممن لا يستحق»، فالقدس عربية باقية كما كانت عاصمة لفلسطين المحتلة من كيان إسرائيلي مغتصب، يرعى الإرهاب الرسمي علانية، بقتله الأطفال والنساء، وانتهاكه لحقوق الإنسان، ولهذا فلا يهم ما إذا أقرت أميركا على لسان رئيسها ترمب، الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ما يهم أن يعرف العرب اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن أميركا التي لا تتورع في استخدام قرار الفيتو لإجهاض قرار الاعتراف بدولة فلسطين وحقوق الفلسطينيين، وعرقلة قرارات إدانة إسرائيل بإرهابها وإصرارها على الاحتلال ورفض عملية السلام؛ أنها اليوم «تنحاز» بشكل سافر إلى حليفتها إسرائيل، وبالتالي فهي غير مؤهلة لتكون راعية للسلام، ولابد من أخذ مواقف عربية كي تغير السياسية الأميركية من نهجها الخاطئ في التعاطي مع قضية العرب الأولى.

إن حقيقة القدس التاريخية، أنها عربية منذ آلاف السنوات، وهي تعد أقدم المدن الحية، زارها الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ليؤكد عروبتها، وشيد فيها الخليفة عبدالملك بن مروان مسجد قبة الصخرة، وتم تجديد بناء المسجد الأقصى، وبعد احتلالها من قبل الصليبيين، عادت إلى حضن العرب والإسلام على يد صلاح الدين الأيوبي، ثم عادت لترزح تحت احتلال الصليبين، إلا أنها عادت محررة على يد نجم الدين أيوب، ثم بعد ذلك دخلت مرحلة من الصراعات والحروب لتضيع فلسطين، وتُقدم هدية لليهود بوعد مشؤوم، لكنها ستبقى متشبثة بعروبتها مثلما ظل أهلها المقدسيون يتشبثون بكل ذرة تراب فيها، فقد خضعت في تاريخها لأربع وأربعين احتلالا، كلها فشلت وحافظت على عروبتها، فكل القرارات وكل الخيانات وكل المؤامرات، ستسقط في النهاية، وستبقى القدس عربية إسلامية، رضي من رضي وأبى من أبى.

فليعمل العرب على رص صفوفهم اليوم، فبعد هذا القرار الذي أدانته كل الدول العربية والعالمية، يجب أن يوحدوا صفهم «صدقا»، وأن يتخذوا إجراءات فعلية، بقطع العلاقات مع إسرائيل، وعدم الاكتفاء برسائل الشجب والإدانة، فالعدو ومن يقف خلفه، لم يعد يعبأ بمثل هذه الإدانات، التي يرى أنها ليست سوى صرخات في واد، سرعان ما ستذهب مع الريح، لأن العدو الإسرائيلي حينما يرى مثل هذه المواقف الصادقة تفعّل على أرض الواقع، سيراجع مواقفه من عملية السلام، التي يمد العرب والفلسطينيون أياديهم نحوهم، إلا أنه لا يبادلهم حينما يرى تهاونا وخذلانا وضعضعة في مواقف بعض العرب نحو قضيتهم ؛ إلا بمزيد من الغطرسة، ومزيد من بناء المستوطنات، والمسارعة في مشروع الحفريات تحت المسجد الأقصى، وهدم أحياء عربية مجاورة للمسجد، بزعم البحث عن «الهيكل» المفقود، الذي إن وجدوه حسب مزاعمهم، فسيخرج المسيح المخلص لليهود، وعندئذ سيعلنون قيام مملكتهم اليهودية، ورغم ما فعلوه إلا أنهم لم يجدوا إلا سرابا، فما هي إلا دعاوى لهدم الأقصى، وتغيير معالم القدس العربية، فليكن العرب على دراية ويقظة، فهذا زمن المواقف والمبادئ، والقدس تستحق التضحيات من أجل أن تبقى عربية إسلامية فلسطينية.