ستحدد الأيام المقبلة على الأرجح ما إذا كانت الاحتجاجات التي انتشرت في تونس تُشكل عثرة عابرة في الطريق، أم نقطة تحوُّل في المرحلة الانتقالية الهشة التي تمرُّ بها البلاد.
تأتي هذه الاحتجاجات بعد 7 سنوات من الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد على مدى سنوات طويلة، وألهمت في النهاية موجة من الثورات في المنطقة، التي تحوَّلت معظمها إلى حالة من الفوضى أو العنف أو تجدد ظاهرة الاستبداد. وقد تمكّنت تونس حتى الآن من تجنّب مثل هذا المصير، وأجرت جولتين ناجحتين من الانتخابات الوطنية، ووافقت على دستور جديد يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه الأكثر تقدما في العالم العربي. وبدأت العملية الشاقة والطويلة لتحويل مؤسسات الدولة التي كانت تخدم سابقا مصالح عدد قليل من النخبة إلى هيئات خاضعة لمساءلة جميع المواطنين.
إلا أن المرحلة الانتقالية لم تجرِ دائما على نحو سلس. ففي الفترة بين عامي 2012 و2016، كان موضوعا الأمن والسياسة يشكلان أهم المصادر المفتوحة لعدم الاستقرار. فعلى الصعيد الأمني، شهدت البلاد هجوما على السفارة الأميركية، وسلسلة من عمليات الاغتيال السياسية. وباستثناء الاغتيالات التي وقعت عام 2013، كان للإرهابيين الذين وقفوا وراء تلك الهجمات صلات مع ليبيا، مما يشير إلى امتداد التأثير غير المباشر للفوضى من البلد المجاور إلى تونس. ومنذ مطلع عام 2016، لم تتعرض البلاد لحادث أمني كبير، مما يعكس تحسينات في أجهزة مراقبة الحدود، وأجهزة مكافحة الإرهاب في البلاد.
أما على الصعيد السياسي، فقد أدى الاستقطاب المتزايد بين مؤيدي الحزب الإسلامي الرئيسي في البلاد، أي «حزب النهضة»، من جهة، والأحزاب ذات التوجه العلماني ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، إلى إيصال المرحلة الانتقالية إلى حافة الهاوية عام 2013. كما أدت الانتخابات التشريعية عام 2014 إلى قيام تحالف غير محتمل بين «حزب النهضة» وحزب «نداء تونس» العلماني، الذي حقق منذ ذلك الحين قدرا كبيرا من الاستقرار السياسي، وإن كان ذلك على حساب وقف العملية التشريعية والتأجيل المستمر للانتخابات المحلية.
وفي حين تمكنت البلاد من الحد من التهديدات الأمنية وإقامة نظام سياسي فاعل، إلا أن الاحتجاجات الحالية تكشف مدى الفشل في معالجة المشاكل الاقتصادية للبلاد. ففي استطلاع للرأي أجراه «المعهد الجمهوري الدولي» الأميركي «IRI» في ديسمبر الماضي، وصف 89% من المجيبين الوضع الاقتصادي الحالي بأنه «سيئ جدا» أو «سيئ إلى حد ما»، وهي أعلى نسبة تسجلها البلاد منذ أن بدأ المعهد بتتبع الرأي العام التونسي عام 2011. وبينما كان الشعب التونسي في السنوات السابقة يعدّ أن البطالة تشكل مصدر قلق اقتصادي رئيسي، إلا أن الأكثرية اليوم تعدّ أن الأزمة الاقتصادية والمالية هي المشكلة الكبرى الوحيدة التي تواجه بلادهم.
يتعيَّن على صانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة أن يعملوا بشكل وثيق مع نظرائهم التونسيين، للمساعدة في إعداد البلاد للانتخابات المحلية، المقرر إجراؤها في مايو. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الحالية لم تنجم عن المظالم السياسية في حد ذاتها، إلا أن إنشاء آليات للتمثيل المحلي والحوكمة من شأنها أن تعزز المساءلة لدى الشعب التونسي، ويكون لها دور أكبر في اتخاذ قراراته المتعلقة بالتنمية الاقتصادية المحلية، وهما نتيجتان من شأنهما أن يقللا من احتمال حدوث اضطرابات مستقبلية.
سارة فوير*
*مؤلفة وزميلة «سوريف» في (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط) - الأميركي