يتضمن الترفيه في محتواه كثيرا من الفعاليات والأنشطة الترويحية التي تدخل إلى نفوسنا البهجة والسعادة والتغيير المطلوب للخروج من رتابة الحياة والروتين الممل، هذا إلى جانب ما يضيفه الترفيه من أفكار مختلفة ورؤى مبدعة وفرص للاطلاع على ما يدور حولنا من ثقافات وعلوم وفنون، وما تمارسه الشعوب المختلفة من نشاطات وفعاليات مختلفة تثري ثقافتنا ومعرفتنا عن مجتمعنا بدايةً والمجتمعات الأخرى تاليا، وبما يعزز رصيدنا الثقافي والفكري، وترتبط السياحة بالترفيه ارتباطا وثيقا لكونها وسيلة من وسائله، كما أنه من خلالها يمكن لروادها زيارة أماكن مختلفة والاطلاع على مواقع متميزة ومختلفة في مضمونها، منها ما يتصل بالطبيعة على اختلافها، ومنها ما يرتبط بالإرث التاريخي والتراثي للشعوب، ومنها ما يتعلق بالجانب الروحي والديني الذي تنتعش بزيارته جوارحنا، وتطمئن له أفئدتنا، ونجدد به العهد بمشاعرنا ومقدساتنا، بينما يشكل البعض الآخر مواقع لمناطق مهمة في وطننا، كالمدن الرئيسة وبما تمثله من مكانة وطنية، وذلك يحوي في جميعه وبين طياته غذاء روحيا وتأثيرا معنويا تنعكس لمحاته في النفوس إيجابا، ويترك بصماته في العقول الحية بناء وانفتاحا بما يعزز العطاء المعرفي والصفاء الروحي والارتباط الوطني.

ومن جهة أخرى فإن للترفيه والسياحة متطلبات ومستلزمات ينبغي وجودها وتوفرها لتعمل جميعها في منظومة متكاملة تزيد من فعاليتها وتضاعف تأثيرها وفوائدها المرجوة، وتتلخص تلك المتطلبات في توفير البنية التحتية التي تحتاجها تلك النشاطات والفعاليات المختلفة من توفر السكن المناسب للمسافرين وبأجور مناسبة، كما يستدعي توفر وسائل النقل المختلفة بأجور معقولة تسمح لجميع الأفراد بالتمكن من الاستفادة منها، والذي ينعكس بدوره على مردود اقتصادي وتحفيز مثمر لتلك النشاطات والفعاليات في مناطقها المختلفة، وذلك يتطلب العمل على التأسيس لمواقع ومنشآت تحوي كافة مستلزمات الفعاليات المختلفة بالشكل والتجهيز المناسب، والذي يقتضي بدوره التعاون ما بين الجهات المعنية بالترفيه والسياحة والنقل بوسائله المختلفة من جهة، واستقطاب القطاع الخاص للمساهمة في تنشيط تلك الفعاليات بالتنوع في الإنتاج والمنافسة في توفير كافة المرافق والتجهيزات المصاحبة لذلك من جهة أخرى، وبما يتيح بدوره الفرصة لمعظم أفراد المجتمع بشرائحه المختلفة للمشاركة في حضور تلك النشاطات والاستمتاع بمحتواها، ويتطلب ذلك متابعة الخدمات ومراقبة الجودة في المنتجات والحد من ارتفاع الأسعار، بحيث لا يكون المستفيد من تلك الفعاليات فريسة لجشع واستغلال التجار من أصحاب العقارات الاستثمارية والنشاطات الترفيهية المختلفة، أو مسؤولي النقل العام المتاح على الرغم من محدوديته نوعا، والذي يقلص فرص المنافسة فيه لصالح المستهلك.

وعلى الرغم من النشاط الملحوظ لهيئة الترفيه في عطائها المتميز ورعايتها فعاليات مختلفة عالمية ووطنية تنوعت ما بين الفن الغنائي والسيرك العالمي والمباريات الرياضية في الملاعب، وبما استجد فيها من قوانين وتراخيص سمحت للعوائل بالحضور ليعيشوا حياتهم الطبيعية كما تعيشها شعوب العالم الأخرى، فإن الأمل معقود على هيئة الترفيه في أن تكون العامل المشترك والداعم الترويحي لمختلف النشاطات المجتمعية على اختلاف مضمونها، والسعي نحو تنويع الفعاليات الترفيهية المفيدة معرفيا وثقافيا، لتتضمن مسابقات ثقافية مختلفة ومناظرات علمية وأدبية وممارسة رياضات متنوعة تشمل كافة النشاطات الرياضية بحيث لا تكون قاصرة على كرة القدم فقط، وألا يكون التركيز على الفعاليات الغنائية فقط، فالمضمون الفني غني بنشاطات متنوعة ومفيدة، وكذلك النشاط الرياضي والثقافي الذي يمكن من خلاله تحقيق الفائدة والترفيه لمختلف شرائح المجتمع، وبما يضمه من أعمار متباينة وأذواق متنوعة وأفكار تختلف في توجهاتها واهتماماتها الثقافية.

ومما يجدر التنويه إليه أن تركيز جميع الفعاليات النشطة والكبيرة في المدن الرئيسية من الوطن، يزيد من الضغط على تلك المدن في خدماتها المتاحة، وفي الازدحام الموجود فيها أصلا لما تشكله من أهمية إدارية جعلتها قطبا محوريا للمناطق المحيطة بها، هذا إلى جانب حرمان سكان بعض المناطق الأصغر من المشاركة في الاستمتاع والمساهمة في تلك الفعاليات المهمة، والذي ينعكس بدوره على تقليص فائدة سكان تلك المناطق اقتصاديا وتنمويا من مردود تلك الفعاليات والنشاطات المختلفة، وإن ما يزخر به وطننا الحبيب من مواقع مختلفة في طبيعتها ومميزاتها، وبما هيأه لها الله من إمكانات، وبما حبانا به من عطاء متميز ومتنوع في أرض تختلف في جغرافيتها الطبيعية ما بين البحر والبر والجبال والهضاب والسهول، ليستحق الاهتمام به والارتقاء بخدماته ومقدراته المتنوعة لتكون مراكز جذب للسياحة والترفيه الملائم لمناطقها وطبيعتها، والذي به يمكن المساهمة في تحقيق تنمية اجتماعية شاملة، ونمو اقتصادي عام ينهض بكافة المناطق والسكان على اختلاف توجهاتهم وإمكاناتهم، وبذلك يكون الترفيه وما يرتبط به من فعاليات ومرافق وخدمات مصاحبة وسيلة لتحقيق نقلة اجتماعية واقتصادية متنوعة الأهداف والاتجاهات، وتشمل كافة فئات المجتمع في سائر أرجاء الوطن، وبما يُمكننا من معالجة كثير من التحديات التنموية والاقتصادية التي تواجهنا، والذي ينعكس مردوده إيجابا على تطلعاتنا الإستراتيجية ورؤيتنا الوطنية البناءة.