أنا المعلم، أريد أن أترك أثرا في بناء أجيال المستقبل، أعمل من خلف الستار، ولا يعرف جهودي إلا من مارس مهنتي. بهجتي في رؤية عقل يتعلم وشخصيات تتشكل. التحقت بالتعليم عن رغبة، والكثير من زملائي كذلك، ولكني أحاسب سلبا على ما يفعله القليل منا.

نظريا، أنا معلم أبني أجيال المستقبل، وواقعيا، أنا أب أخشى على أبنائي المرض، ولا يوجد لدي تأمين صحي، أنا زوج أخشى على زوجتي مشوار المئتي كيلومتر في طرق وعرة، أنا موظف يديرني وكيل وقائد مدرسة ومشرف وولي أمر ومساعد تعليم ومدير تعليم ووكيل وزارة ووزير وحتى بدأ الطالب يتطاول علي، ويتهمونني أن شخصيتي السبب. أصبح التقاعد رؤيتي، والتحمل رزقي، وأنتظر حتى يشع فينا نور أمل يعيد إحياء شغفي، ولمهنتي مكانتها، لتقديم أفضل ما عندي لبناء جيل المستقبل.

أقولها صراحة، علاقة وزير التعليم بالميدان ليست في أفضل أشكالها، بل إن تقبل الميدان للدكتور أحمد كان أكبر من تقبلهم له كوزير. غرد معاليه بشكره للمعلمين والمعلمات، وبين أكثر من 900 رد، كانت غالبية الردود تميل إلى الطابع السلبي أو مطالبات. وليس الهدف هنا النقد، ولكني لا أعلم عن أي جهاز نجح في تحقيق أهدافه دون توافق بين رئيس الجهاز ومنسوبيه، ولا يشترط التوافق الكامل. وإن قضى الله للوزير أمرا أن يكون رئيسا على جهاز تراكمت عليه المطالبات وتشابكت فيه الأنظمة على مر العقود، فالأولى أن تكسب منسوبي الجهاز في صفك.

حبّا في التعليم، فإني أتمنى للوزير النجاح، فهدف كل محب للتعليم هو نجاح من يعتلي مسؤوليات حقيبة التعليم. واقتراحي لك معاليكم أن تكسب الميدان. اقلب الصفحة مع بداية الفصل الدراسي الثاني، وكن ذلك الأب والأخ المسؤول القريب منهم. مع بداية الفصل الثاني اكتب تغريدة تعبر عن رغبتك الشخصية في الاقتراب من الميدان وقضاء يوم كامل مع معلم في مدرسته بعيدا عن الإعلام، ولمن يريد استضافتك أن يعبئ استبانة برابط موجود في التغريدة. التزم بيوم واحد، والأفضل أن تكررها على الأقل ثلاث مرات في مناطق مختلفة.

سيستمر كثيرون في الردود السلبية، ولكن اشكر من تفاعل معك، وتواصل معه شخصيا بتحديد الموعد. تأكد أن تكون هذه زيارة شخصية بعيدا عن وفد الوزارة أو الإعلام أو تغريدة المتحدث الرسمي أو غيره. اترك الإعلام للميدان، فصوت معلم التمس منك الأمل أقوى من أي صوت تقليدي آخر.

ابدأ مع معلم يومه بكافة تفاصيله، رحلته إلى المدرسة، حصصه، واجباته، مشاركته الطلاب في الصف، وقت الفسحة، المرور على دورات المياه أكرمكم الله، تصحيح الواجبات، حصة النشاط، وقت الانصراف، اجتماع الإدارة بالمعلمين. واجلس مع قائد المدرسة، وانظر إلى خطط المدرسة، مشاكلها، واستمع إلى ما يعانون منه. ولا تنس المرشد الطلابي، فلديه معلومات عن ثروتنا الرئيسية، الطلاب. حالتهم الصحية والنفسية والسلوكية، وقد تفاجأ بما ترى وتسمع. استمع لما يقوله المعلم حول دور المشرف ومكتب التعليم وتعاميمه.

معالي الوزير، ليس الهدف هنا التلميح إلى وجود نقص في علمكم حول شؤون الميدان، ولا أن تعانوا ما يعاني منه الميدان، أبدا. فالعقل يعرف أن أكثر من 35 ألف مدرسة لا يمكن أن يدرك تفاصيلها شخص واحد، وأن مسؤولياتكم ضخمة جدا. الهدف هو بناء علاقة جديدة مع الميدان. فحبّا في التعليم، نتمنى لكل وزير تعليم النجاح. أولى خطوات إصلاح التعليم هي بناء العلاقة، وتقليص الفجوة بين المسؤول والميدان. وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح الوطن والتعليم.