هناك تسعة عوامل أساسية أدت إلى إحداث تغيير إيجابي اجتماعي وطني، تبلور في عدة مظاهر، منها المزيد من التكاتف مع القيادة، وصعود الحس الوطني والمشاركة في بناء الدولة، وقد كان غياب أو ضعف تلك العوامل من الأسباب التي أسهمت في صعود التيارات الحركية المتخلفة عن ركب الحضارة، ولذلك فهي عوامل إستراتيجية يجب أن نعلي من بعضها باعتبارها معايير لنجاح رؤية المملكة 2030 في تغيير المجتمع إلى الأفضل لكي يكون قادراً على تحقيق متطلبات عصر ما بعد النفط.

العامل الأول: هو انتشار التعليم وتراجع الأمية والتي انعدمت تقريباً بين الشباب، ولا تزيد في أكثر الإحصاءات تشاؤماً على 6% بين كبار السن. وقد نجحنا خلال بضعة عقود قليلة في القضاء على نحو 95% من الأمية، وجاء ذلك تدريجياً بعد التخلص من أمية المتعلمين، والتي صعدت في أواخر السبعينات مع ظهور الصحوة وعبر متحدثين وكتاب ودعاة كانوا يفتقدون للخبرة ولتنوع المعلومات ولاختلاف الرأي.

العامل الثاني: هو انتشار المعلومات عبر الإنترنت، فقد انهزمت ثقافة المنع واستسلمت للانكشاف الكبير الذي حدث والذي تأكد لنا بأنه خير، لأن الإنسان المستنير حر لا يسلم عقله للآخر لكي ينوب عنه في التفكير، وهذه الحرية تجعله أدرى بمصلحته وتمنع من استخدامه للوصول إلى السلطة أو النفوذ، وتؤدي به إلى فهم فضائل المواطنة.

العامل الثالث: هو انتشار النقاشات عبر الشبكات الاجتماعية وتحولها إلى نمط اجتماعي راسخ أصبح يقوم فيما يقوم عليه على المراجعة والمحاسبة وكشف الكذب والتزييف حتى لو كان النقاش عن منتج تجاري أو عن الخدمات أو عن كشف الفساد مما حولها لطريقة تفكير تشمل كل شيء.

العامل الرابع: تبلور في إصلاحات الملك عبدالله -رحمه الله- والتي تزامنت مع عامل خارجي، وهو وصول سعر النفط إلى السقف الأعلى، فرغم دور العامل الخارجي المرتبط بالحظ إلا أنها تزامنت مع إرادة توجهت بنا إلى اللحظة الراهنة في الإصلاحات الإستراتيجية الشاملة.

العامل الخامس: والذي أحدث تغييراً إستراتيجياً كان مشروع الابتعاث المستمر لخارج المملكة، والذي شمل مئات الألوف من الشباب عبر مشاركة الأسر بإرسال أبنائها للابتعاث الخارجي، وتنافس المؤسسات التعليمية الداخلي، وكانت النتائج باهرة سواء كان تعليمياً أو ثقافياً، وهي كلها تنطلق من قاعدة الكم المؤدي إلى الكيف والتطور القائم على الخبرة.

العامل السادس: تبلور مع انتشار السياحة في الخارج، فرغم الأضرار الاقتصادية إلا أنها كانت مرحلة مهمة في المزيد من اكتشاف المواطنين لدول العالم غرباً وشرقاً، وهو ما يحدث تأثيراً إنسانياً كبيراً في أي مجتمع، وهو

ما أنتج أيضاً تيارا واسعا من العلاقات الإنسانية بين السعوديين وبين سكان تلك الدول.

العامل السابع: هو زيادة المخاطر وانكشاف المؤامرات الخارجية المهددة للأمن الوطني، وقد ساعد ذلك على المزيد من الصعود للحس الوطني والتكاتف مع قيادة الدولة والإدراك بأن الدولة هي من يمثل الخير للمنطقة، وبأنها تستجيب لشعبها وتملك مشروعها الاقتصادي والنهضوي الريادي والذي يتطلب المزيد من الاستقرار.

العامل الثامن: تمثل بوضوح لعامة الناس في فشل التيارات والحركات الطائفية الدينية، وفي انكشاف خديعة الربيع العربي وفداحة الفكر الثوري الدوغمائي، وكيف أن ما حققته المملكة لشعبها قد عجزت عنه معظم الدول الغنية بالنفط والغاز والثروات الطبيعية، وتلك الدول التي تتبنى شعارات الحرية المصطنعة.

العامل التاسع: هو رسوخ قوة الدولة، حيث إنها في قانون التحدي والاستجابة كانت دائماً حاضرة، وقد وصلت قوتها إلى الذروة بعد مرحلة عاصفة الحزم، وأثبتت بتقادم الأحداث أنها قادرة تماماً على المبادرة والتقدم، وبأن مجمل التحديات الداخلية والخارجية جعلتها أقوى، وقدمتها كقائد للقرار السياسي العربي والإسلامي، وهو ما يجب أن يتوازن مع قيادة المجتمع للثقافة العربية لكي تمضي بها قدماً إلى الأمام.

مشاريع الترفيه ونشر الفنون وتوسيع نطاق النشاطات الرياضية والانفتاح القائم على قيم معتدلة سوف يعد عاملاً عاشراً يضاف إلى العوامل التي تؤدي إلى نجاح التغيير وتحقيق الأهداف في جعل المجتمع أكثر إبداعاً وإيجابية، فهي مشاريع إستراتيجية على الصعيد الأمني والثقافي والسياسي والاقتصادي، وهي أهم روافد تحقيق أهداف الرؤية والتي تشمل رفع المملكة في مؤشر رأس المال الاجتماعي من المرتبة 26 إلى المرتبة 10، وذلك من خلال زيادة النشاطات والاهتمامات المشتركة، والمشاركة في الإبداع والشعور بالسعادة والانتماء والولاء للمكان، وخاصة من قبل الكفاءات، والتي تتميز دائماً بالحساسية من المجتمعات المنغلقة، كما أن هذه النشاطات تؤدي إلى شغل فئات كبيرة من الشباب الذي يعاني من الفراغ أو الإحساس بالتهميش ممن قد تجعلهم يبحثون عن قضايا سياسية عبثية. وفوق ذلك كله فهي مشاريع تفتح الباب واسعاً لرفع فرص العمل والنشاط الاقتصادي، وتقلل من الاعتماد على الأجانب، وتؤدي إلى نجاح المشاريع السياحية، وتحسن من سمعة المملكة بشكل فعلي، وتجعلها منطقة جاذبة للعالم.