حلقت طائرتي من «لندن» إلى «دبي» منتصف يناير لإتمام برنامج تدريبي صحفي مكثف مع فرع بلومبيرج المختص بالشرق الأوسط. ورغم قربي من الفرع الرئيس لهذه الإمبراطورية الإعلامية المتواجدة في بريطانيا إلا أن التعرف على فرعهم المختص بالشرق الأوسط والذي تشكل السعودية أحد أول اهتماماته كانت فرصة رائعة أتاحتها «مسك الخيرية». كان الجميع يدرك مدى أهمية احتكاك السعوديين بالجهات الإعلامية العالمية، ولكن «مسك الخيرية» هي المؤسسة الأولى والوحيدة التي تتبنى تدريبا من هذا النوع على مستوى الشرق الأوسط ككل، وهذا يعكس سعة اطلاعهم معرفيا وإيمانهم بالشباب السعودي وقدراته وسباقهم بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق. بلومبيرج بدورها احتوت على المتدربين، ونظمت من أجلهم لقاء مثريا ووجبة عشاء مع مؤسس الشركة الأول «ماثيو وينكلر»، إلى جانب عدد من لقاءات صحفيي المنظمة والمسؤولين فيها. كانت بلومبرج بطاقم العاملين فيها مرحبة جدا بنا كمتدربين، وبذلوا قصارى جهدهم لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة. وهذا يكشف مدى ثراء وأهمية هذا البرنامج التدريبي لاسيما أنه مهتم بالصحافة والمال، وجميع المتدربين فيه كانت خلفياتهم الأكاديمية إما صحافة وإعلام أو اقتصاد وإدارة أعمال.

من جهة أخرى، ومن وجهة نظري الشخصية، فإن أحد المحاور المهمة التي تطرقت لها هذه الدورة كان «التنوع». ربما قد يكون ذلك لأنني شخصيا مهتمة بالتنوع والمساواة إعلاميا، وقد كتبت مسبقا عددا من المقالات عن أهمية التنوع ثقافيا واجتماعيا وتقبل الاختلاف، بل وجعل التقبل للآخر، أيا كانت هويته، واجبا قانونيا كما هو الحال في كثير من الدول المتقدمة حول العالم. لكنني لم أنظر إلى التنوع يوما كما تنظر إليه وكالة «بلومبيرج»، أي كمصدر قوة ومكسب اقتصادي. كانت هذه الزاوية أو الرؤية المختلفة للتنوع مثيرة جدا، لأنها تحمل بعدا حسيا ملموسا ومشهودا أكثر من النظر للتنوع كمجرد رافد ثقافي واجتماعي. من خلال حديثنا مع مؤسس وكالة «بلومبيرج» سألته: كيف تمكنتم من تحقيق الحد المثالي للمساواة بين الجنسين، أي نصف موظفيكم نساء ونصفهم رجال، وكيف رأينا في هذه الوكالة العالمية توظيفا عادلا للأقليات العرقية والأقليات الاجتماعية وذوي الاحتياجات الخاصة واللاجئين والمتحدثين بعدة لغات وغير ذلك من التباينات الفردية مع الاحتفاظ بمستوى الجودة المرتفع نفسه؟ وكان جوابه: «لأننا نؤمن أن التنوع مربح». وأضاف قائلا: «التنوع يجعله من السهل استهداف جمهور واسع ومختلف بشكل جيد، كلما كانت المنظمة الإعلامية متنوعة أكثر كان هناك عدد أكبر من الجمهور يرتبط بها. ونحن في بلومبيرج يقرأنا رجال وسيدات أعمال من مختلف دول العالم، كل ما يريدونه هو المعلومة التي تمثلهم وتدرس إقليمهم ودولتهم بعمق، حيث إنهم بناء عليها يتخذون قرارات تجارية كبيرة.. لذلك ليس من السهل أن نحقق تنوعا ذا جودة، لكن تحقيقه والاهتمام به يعد أمرا مربحا ومرضيا لكلا الطرفين الإعلامي والمتلقي».

باختصار، إن المنظمة الإعلامية الناجحة، سواء كانت اقتصادية أو فنية أو غيرها، هي التي تتمكن من توظيف أشخاص يمثلون كافة أطياف ومشارب البشر، فترى فيها الأسود والأبيض والقمحي، وترى فيها الضرير والأصم والأعرج، وترى فيها المرأة والرجل يتناصفان المسؤوليات، وترى فيها الخبير والمبتدئ، اليميني واليساري، الملتزم والمتساهل، البدوي والحضري، العربي وغير العربي إلى آخره من مفارقات جغرافية وتاريخية ودينية وإيدولوجية وحتى فردية. يشمل التنوع أيضا قدرة المنظمة الإعلامية على توجيه اهتمام كل من هؤلاء الموظفين نحو جمهوره الذي يشبهه مع الاحتفاظ بتعايشهم وسلامهم العملي داخل المنظمة الإعلامية، دون أن يشكل تباينهم أي تغيير على هوية المؤسسة الشاملة والواسعة لجميع من سبق ذكرهم. هذا هو أحد أسرار نجاح معظم المؤسسات الإعلامية العالمية، ولعل «بلومبرج» إحداها، إلى جانب «BBC». تلك منظمات تفتخر باستقطابها لجماهير مترامية الأطراف، ومتباينة في الألوان والأصناف، تاركة وراءها كل أحادية يمكن أن تضر بمحتواها، وبالتالي ربحيتها.