«هذا الرجل غير حياتي»، كلمة سمعتها من خريجي أحد المدارس الخاصة لقائد مدرسته السابق أثناء حواري معه، شعرت بالفخر من أجله أثناء مرور مجموعة من طلابه السابقين للسلام عليه والتصوير معه لإيصال رسالة مشتركة بين كل طلابه أنه أثر على حياتهم. وفي موقف آخر لا يخفى علينا، مقطع الفيديو الذي تم تداوله منذ أكثر من عام عن قائد المدرسة الواقف على ركبتيه وهو يودع جميع طلابه قبل الإجازة، وينتظره الطلاب في صف للسلام عليه وتقبيل رأسه واحتضانه. ورأيت أمام عيني في أكثر من مدرسة طلابا يقبلون رأس ويد قائد مدرستهم سواء في مدارس ابتدائية، أو متوسطة، أو ثانوية. التأثير الذي يتركه قائد المدرسة المتميز على طلابه يبقى معهم مدى الحياة. وهذا بكل تأكيد ينطبق على القيادات المدرسية، وعلى المعلمين.

الكثير من المدارس الخاصة في بحث متواصل عن قائد مدرسة ذي خبرة وكفاءة تشغيلية وأكاديمية عالية. وأحد التخصصات المنتشرة في الولايات المتحدة هو «قيادة التعليم» أو «القيادة المدرسية»، وتكون غالبا في الدراسات العليا. وأعتقد أنه ينقصنا هذا التخصص والإعداد المناسب للقيادات المدرسية في مهارات القيادة والإدارة أولا، ثم الشؤون الأكاديمية. وجود نموذج نوعي سعودي لهذا البرنامج سيؤهل قيادات ستغير العالم.

أثناء عملي في هيئة تقويم التعليم، بدأنا العمل على مشروع المعايير والرخص المهنية للقيادات المدرسية. مشروع أتوقع منه تحقيق تحول نوعي في خارطة الجودة والأداء في التعليم العام. يهدف المشروع إلى رفع جودة أداء القيادات المدرسية من خلال بناء معايير مهنية، نظاما للرخص المهنية، واختبارات مهنية. وتشمل القيادات المدرسية قائد المدرسة والوكيل. وكانت الرؤية من البرنامج وضع الإطار التنظيمي والتشغيلي بالتعاون مع وزارة التعليم لبناء قيادات مدرسية مُمكَنة ومُمكِنة لإدارة العملية التعليمية والتشغيلية في المدارس. وكنا نأمل في أولى خطوات المشروع – ومازلت أتأمل ذلك – أن حصول قائد المدرسة أو وكيلها على رخصة يأتي مع حزمة من الصلاحيات والمسؤوليات والمكافآت التي تدعمه في تحقيق عمله. ترخيص قائد المدرسة ومنحه صلاحيات إدارتها هو مثل تفويض جميع المهام التشغيلية للمدرسة لقائدها، فتمكين قائد المدرسة علميا وعمليا لإدارة شؤون المدرسة، ثم محاسبته على النتائج الفصلية أو السنوية، سيزيح أعباء الإشراف والمراقبة والمتابعة، وتبقى إدارة التعليم جهة مشرعة ومشرفة بصورة عامة بعيدا عن التفاصيل اليومية.

فمن أهم الصلاحيات التي يجدر على قائد المدرسة الاستمتاع بها هي الصلاحيات المالية والتشغيلية في المدارس. وعلى غرار الأجهزة العامة أو حتى الإدارات داخلها، فتقوم كل مدرسة برفع الميزانية المقترحة لتشغيل عمليات المدارس من أجهزة، وصيانة، وتدريب، ووسائل تعليمية، وأنشطة طلابية، وتغذية، وغيرها من البنود الضرورية لتحقيق التميز.

إن رأت وزارة التعليم اليوم عدم أهلية القيادات المدرسية لتحمل مسؤولية المدارس، فالمتوقع منهم تأهيل من يصلح أو اتخاذ اللازم. وإن اعتقدت الوزارة أن القيادات المدرسية مؤهلة لإدارة كافة شؤون المدارس، فينعكس ذلك على منح الصلاحيات والمسؤوليات والمكافآت المجزية لإدارة المدارس. وليس من الضروري منح الجميع أو عزلها عن الجميع، فيمكن منح الصلاحيات التشغيلية لمن حقق المعايير فقط، ويتم تفويضه بصناعة التغيير في مدرسته.

تطبيق برامج نوعية على القيادات المدرسية سيفتح أبوابا مباشرة لدعم وتمكين المعلمين وتحقيق التغيير الذي نريده في مدارسنا، مدرسة تلو الأخرى. وكلي ثقة بوجود قيادات مدرسية في المملكة باستطاعتها إدارة التغيير وتحويل المدرسة من مستوى متدنّ إلى مرتفع خلال بضع سنوات، وكل ما يحتاجوه هو الثقة بالصلاحيات والمسؤوليات.