رغم العناصر الإيجابية الكثيرة التي حملتها موازنة العام الجديد التي تم الإعلان عنها أخيرا، مثل حجم الإنفاق الضخم الذي يكشف تزايد الرغبة الحكومية في تحسين البنية التحتية، وتطوير الآليات المؤدية لتعزيز مستوى المعيشة، إلا أن المؤشر الأبرز يبقى هو الرغبة في دعم القطاع الخاص، وتمليكه كافة الأدوات التي تساعده على القيام بدوره الحقيقي في إحداث التطور الاقتصادي كرافد أساسي ومعين للدولة وقطاعها العام.

ويظل وجه الدعم الأبرز هو حديث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في خطاب الميزانية، بصراحته المعهودة ووضوحه التام، عن حتمية تطوير الدور الأكبر لمؤسسات القطاع الخاص، وزيادة مساهمته في توليد الفرص الوظيفية.

بدوره، أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بصراحة إلى صدور توجيهات رسمية بمراجعة مستحقات القطاع الخاص، والمسارعة إلى تسديدها، ما دامت مستوفية للشروط النظامية، وتفعيل آليات التعامل المالي بين المؤسسات الحكومية المختلفة والمؤسسات الوطنية، مثل خدمة رفع المطالبات المالية وغيرها لضمان تنفيذ سداد المستحقات خلال ستين يوما، والتأكد من عدم وجود مطالبات مستحقة للقطاع الخاص لم يتم التعامل معها وسدادها دون تأخير. كذلك فإن تعزيز آليات الشفافية ومحاسبة الفساد تزيد من فرص القطاع الخاص للنمو، بسبب إتاحة الفرصة أمام رجال الأعمال، لأنهم سيكونون أكثر قدرة على تحصيل مستحقاتهم، والإبلاغ عن أي تأخير متعمد أو تعطيل مقصود.

كذلك فإن التوجه نحو إدخال عدد من مؤسسات القطاع العام ضمن الخصخصة، واستمرار الصرف الحكومي عليها قبل طرحها رسميا، يجعلان هذه المؤسسات أكثر جذبا لرجال الأعمال للتنافس عليها، كما شرعت الدولة في اتخاذ بعض الإجراءات الرامية لتهيئة هذه المؤسسات للمرحلة الجديدة، بهدف تعزيز الرغبة في الدخول بالمنافسة على المشاريع والقطاعات المطروحة للتخصيص، خصوصا مع إصدار عدد من التشريعات والأنظمة ذات العلاقة، التي تحكم العلاقة بين القطاعين.

كما أن زيادة الإنفاق الحكومي على قطاعات التعليم والصحة والإسكان وغير ذلك من القطاعات الخدمية ستؤدي ببساطة إلى توفر المزيد من السيولة في الأسواق، وازدياد الطلب على المنتجات، وهذا كله يصب بالضرورة في صالح رجال الأعمال والقطاع الخاص، مما يمنح السوق قوة شرائية إضافية تعيد له وهجه وقوته، ولا ننسى هنا أن المبلغ الذي تم تخصيصه لبرنامج حساب المواطن، ويتجاوز 32 مليار ريال يدخل ضمن المبالغ التي سوف يستفيد منها القطاع الخاص حتما.

أما التوجه الجديد نحو زيادة إسهام العناصر غير النفطية في الميزانية، فإنه يبقى أكبر المؤشرات الإيجابية لصالح القطاع الخاص، لأنه يعني ببساطة زيادة الاهتمام بجوانب التصنيع والتجارة والسوق المالية والاستثمارات غير التقليدية، وهي قطاعات يسيطر عليها القطاع الخاص بشكل رئيس، بعد أن كان التركيز منصبا بشكل رئيس في السابق على القطاع النفطي.

المؤشرات السابقة تؤكد أن بلادنا مقبلة على عهد جديد، تستشرف فيه آفاق الاقتصاد العالمي، وإن كانت الدولة قد فعلت كثيرا حتى الآن، وأطلقت ما يكفي من المؤشرات لرجال الأعمال للانطلاق وزيادة الإسهام، فإن القطاع الخاص مطالب هو الآخر بالتقاط زمام المبادرة، والمسارعة إلى استغلال هذه الفرصة بالشكل الذي يعود على بلادنا بالخير والتطور.