لطالما تساءلت: لماذا تمرر عبر بعض قنواتنا السعودية المبالغة كمّا وكيفا في عرض المشكلات؟، ولماذا ترجح دوما كفة الأمور المشينة في العرض إعلاميا، ولا تحظى الأمور الإيجابية والرائعة بالتمثيل الإعلامي الملائم؟، ولماذا نستمر في عرض مطالبات ومناشدات حلها وأصلها داخل السعودية، على 300 مليون متلقٍ عربي في شتّي الدول حولنا؟

مثلا، ماذا سيستفيد شخص جزائري حين يتابع نقاشا عبر قناة سعودية عن حفرية في الرياض تأخرت البلدية

في إصلاحها؟ وما الذي سيستفيده اللبناني حين يتابع حلقة عن بطالة خريجي الصيدلة أو المختبرات في جدة؟، وبماذا سيفكر المصري والموريتاني والكردي والكويتي والإماراتي، حينما يتابعون نقاشا في القناة نفسها عن معاناة مربي المواشي السعوديين من ارتفاع أسعار العلف في الطائف؟

هذه قضايا داخلية، حلّها داخلي، جمهورها داخلي، لماذا يشاهدها الجميع في كل أرجاء الشرق الأوسط وحول العالم؟

خطورة ممارسةٍ كهذه، هي أنها تسيء إلى تمثيل السعودية محليا ودوليا، إضافة إلى أنها لا تتوافق مع أهدافنا  في هذه المرحلة، والمتمثلة في استقطاب وجذب المستثمرين والسياح الأجانب، عرب وغير عرب، كأحد سبل تنويع مصادر الدخل بعد النفط.

ذلك أنه من غير الممكن أن نقنع السيّاح والمستثمرين الخارجيين بما لدينا، وتغيير صورتنا النمطية في أذهانهم، ما دمنا في إعلامنا الذي منّا وفينا نتحدث بإفراط وإسهاب مبالغ فيه عن مشكلات ومطالبات ومناشدات يفترض حلّها سرا ووراء الأبواب المغلقة، أو عبر قنوات لا تبث إلا داخل حدود المملكة.

إنه من المحزن، الحديث مع مواطني دول عربية، كل ما يعرفونه عن جدة هو سيولها وعشوائياتها مثلا، ذلك أن معظم بل الجوانب الأخرى المشرقة والمبهجة يتم تهميشها بضعف مهنية، وجهل بالعمل الإعلامي أحيانا. ونحن هنا لا نتحدث عن صناعة «بروباجاندا» وتمثيل دعائي، ولكن عن تمثيل واقعي إيجابي، يمثل حياة الشعب التي تحوي تفاصيل جميلة على كل الأصعدة: الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وغيرها.

لهذا، أقترح -كمختصة في الإعلام ومهتمة بالمحتوى وقضايا التمثيل الثقافي- أن نتوقف عن إتاحة ساعات وساعات من بثنا التلفازي لمناشدات ومطالبات يفترض حلّها بمنتهى السرّية، مما يخدم خصوصية المواطن صاحب المناشدة، ويخدم الصورة الذهنية عن السعودية كدولة وشعب.

هذه ستكون خطوة مهمة نتخذها لصناعة صورة ذهنية جميلة، ولتحسين خطابنا الإعلامي خلال تواصلنا ليس مع الجماهير العربية فحسب، ولكن مع العالم أجمع، وإن كان العرب هم أكثر من استهلك محتويات إعلامية تبث عبر قنواتنا، فيها ما فيها من مناشدات ومطالبات بائسة.

إن قضايا التمثيل الإعلامي، بما في ذلك الكثافة في التمثيل أو الضعف في التمثيل أو الإساءة في التمثيل، أمور لا يدركها إلا المهني والمتعمق في الإعلام، فإن أدركها الإعلامي يستطيع توظيفها بما يخدم الدولة الجديدة وأهدافها، بدلا من الاستمرار في المنهج الإعلامي القديم التقليدي تمثيليا وغير المواكب مع المتغيرات الحديثة.

لذلك، من المهم ألا تُمنح زمام أمور المحتوى سوى للمختص الواعي بأبعاد الرؤية الوطنية والثقافة الشعبية. والأمر الأكثر أهمية هو تحليل وقياس التمثيل الإعلامي للدولة بشكل جدّي، جدا كما هو الحال في بريطانيا وأميركا.

ففي بريطانيا مثلا، هناك أقسام داخل كل المنصات الإعلامية، مهمتها أن تقيس بشكل كميّ وكيفي الأخبار و«أيديولوجياتها» على مدار العالم، لضمان نوع من الاتزان في الطرح، دون أن تطغى المحتويات السلبية على الإيجابية، هذا إلى جانب مكتب الاتصالات «أوفكوم» الذي يتابع ويقيس تلك الأمور بشكل إشرافي على كل المنصات مجتمعة، وهو تنظيم أتمنى تطبيقه لدينا.

رغم أن القضايا التمثيلية، مثل الإفراط في عرض المطالبات والمناشدات التي تتسم بملامستها جوانب ثقافية واجتماعية وتسويقية، أكثر من السياسية، إلا أن ذلك لا يقلل من ضررها وأبعادها غير الإيجابية على السياحة والاستثمار والصورة الذهنية عنا.