في مقال الأسبوع الماضي تحدثت عن مستقبل الاتفاق النووي في ظل موقف الإدارة الأميركية الراهنة من الصيغة الحالية للاتفاق، والمطالبة إما بإصلاح الاتفاق، وإما بنسفه تماما، على الأقل من الجانب الأميركي، وناقشنا الموقف الأوروبي من ذلك، وقدمنا قراءة استشرافية لمصير الاتفاق.

في هذا المقال سأحاول عرض الجانب الاقتصادي في إطار الاتفاق النووي، وكيف يؤثر الموقف الأميركي والضبابية الراهنة لمستقبل الاتفاق النووي على قطاع الأعمال والاستثمارات الأجنبية في إيران، أو حتى التصدير إلى إيران. لعل أفضل من حاول الإجابة عن هذا السؤال بشكل علمي ودراسة ميدانية استقصائية هو المجموعة الدولية للأزمات. أوضحت هذه المجموعة، في استطلاع رأي نشرته مؤخرا، أن موضوع بدء أي استثمارات أو مشروعات تجارية جديدة مع إيران يبرز ترددا أوروبيا كبيرا بسبب الموقف الأميركي من الاتفاق النووي. وذكر استطلاع الرأي هذا أن 57% من عينة الدراسة أوضحت أن مخاوف أن تعاود الولايات المتحدة الأميركية العقوبات على إيران هي سبب تأخر الشركات متعددة الجنسيات في تنفيذ أعمال التجارة أو الاستثمار في إيران. وفي سؤال حول مدى تأثير قرار ترمب عدم التصديق على الاتفاق النووي على قرار الشركة في المشاركة في السوق الإيرانية خلال العام المقبل، قال 17% من عينة الدراسة إنه «أثر كثيرا»، و33% «أثر إلى حد ما»، و39% «لم يؤثر كثيرا»، و7% فقط «لم يؤثر إطلاقا». أما عندما سئل المشاركون في استطلاع الرأي حول رد الفعل المتوقع للشركات الأوروبية والأميركية إذا أعادت أميركا فرض العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق النووي بشكل أحادي على إيران، أو فرضت عقوبات جديدة، قال 26% إن الشركات «ستنفر جدا من التجارة والاستثمار في إيران»، و75% «ستنفر إلى حد ما»، و4% «ستتجاهل العقوبات الجديدة». وأخيرا في إجابة عن سؤال: في حال التزمت إيران بالاتفاق النووي هل ستؤثر لوائح المنع التي وضعتها الحكومات الأوروبية في سبيل منع السلطات الأميركية من فرض العقوبات على شركتك لتنفيذها أعمالا تجارية مع إيران، إيجابا على قرارك بشأن الاستثمار في إيران، أجاب 54% من المشاركين في الدراسة بـ«نعم»، و15% بـ«لا»، و24 بـ«لا أدري»، و7% لم يجيبوا عنه.

هذه النسب والأرقام الميدانية تعكس بجلاء مدى تأثر قطاع الأعمال الأوروبي بالموقف الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران. ونستنتج من ذلك أنه وإن حاولت الدول الأوروبية مخالفة الموقف الأميركي سياسيا وأصرت على التمسك بالاتفاق النووي دون أي إصلاحات على الاتفاق النووي فإن ذلك لن يحقق لها في الغالب إلا مردودا اقتصاديا محدودا، لأن الشركات الأوروبية سوف تحجم بشكل كبير عن دخول الأسواق الإيرانية، أو بدء مشروعات استثمارية طويلة أو متوسطة المدى مع الجانب الإيراني، كما أن معظم الاتفاقيات الموقعة خلال العامين الماضيين بين الشركات الأوروبية وإيران ستبقى حبرا على ورق (بالفعل أعلن المدير التنفيذي لشركة «توتال» الفرنسية احتمالية إلغاء أكبر صفقة استثمار في قطاع الغاز الإيراني بعد أشهر قليلة من توقيعها منتصف 2017 إذا ظهر احتمال لتضرر مصالح الشركة في الولايات المتحدة الأميركية). كذلك قد تكون التكلفة السياسية على الاتحاد الأوروبي في علاقاتها مع واشنطن كبيرة، وبذلك تكون الخسارة مزدوجة، سياسية واقتصادية معا. خليجيا، قد يكون إصرار الاتحاد الأوروبي على الالتزام بالاتفاق النووي بصيغته الراهنة، وعدم اتخاذ موقف واضح من التدخلات الإيرانية في الشأنين الداخل العربي وعمل طهران على زعزعة أمن واستقرار الإقليم، مكلفا أيضا، بخاصة إذا ما قررت دول مثل السعودية والإمارات ومصر مراجعة الامتيازات المقدمة للشركات الأوروبية في الأسواق المحلية وحجم الصفقات الهائلة معها، والشروع في البحث عن بدائل.