أخذ بعضهم يكتب ويحلل في السياسة حسب رؤيته، ويروج لها على أنها الأصدق والأصح، وهو لا يملك أي قاعدة تاريخية، ولم يقرأ في كتب السياسة ولا كتب التاريخ، وقد غاب عنه أن السياسة قد تطورت وأصبحت علما له نظرياته، وله أدوات منهجية، هؤلاء متطفلون على السياسة يخطئون في تحليلهم، ويكون ضررهم أكثر من نفعهم، فيكونون أدوات ضلال، وسبباً في تحويل الصديق إلى عدو، وتقريب العدو وتمكينه من الضرر بأوطانهم، أو يخلقون الفتن في مجتمعاتهم كالذين يتمادون في التطفل على السياسة، فيروجون ضد حاكمهم بأنه ضعيف الشخصية، وأن سكرتيره هو المسيطر عليه وعلى قرارات الدولة، ويجعلون السياسة في شخص واحد! بينما لو سألت أحدا منهم إذا كانت تربطه علاقة بأحدهم، أو اطلع على أسرارهم من قرب فإنك لن تجد لديه جوابا، بل لا يراهم الناس إلا في وسائل الإعلام المشبوهة مثلهم مثل غيرهم، إن هؤلاء ليس لهم نجاح إلا في وسائل الإعلام التي تستخدمهم لمصلحتها، بينما هم في حقيقة الأمر فاشلون في إدارة بيوتهم، أو فاشلون في أعمالهم، وليس لهم منصب إلا على هذه القنوات المشبوهة التي تستخدمهم لأهدافها، والشاهد على ذلك حين تراهم يتقافزون في المنابر الإعلامية بتحليلاتهم، فإن سألتهم عن رئيس ما فإن لديه إجابة وكأنه طبيبه النفسي أو سكرتيره الخاص، بل يتحدث عن أدق التفاصيل التي لا تعرفها زوجة هذا الحاكم، وإن سألته عن سياسة دولة فإن إجابته جاهزة يركبها على هواه، وكأنه قد درس علوم السياسة لتلك الدول وأنظمتها.
هؤلاء لهم جمهورهم، يستسلمون لقولهم، ويتحولون إلى حطب تشعلها نيران فتنتهم، فينفخون في لهيبها حتى تستعر نارها من كثرة ما يوغرون صدور أتباعهم ضد أوطانهم وحكامهم، ويوسوسون لهم بأنهم مظلومون، سلبت منهم أموالهم، وانهضمت حقوقهم، فيخوفونهم كما يخوفهم الشيطان بالفقر، ويستغلون الأخطاء، ويروجون لتكبيرها حتى يجعلوا منهم أناسا فاقدين للثقة بربهم وبمن حولهم، ثم يقولون لأتباعهم والمعجبون بخطاباتهم إنما نحن مصلحون «ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون».
هذا هو العقل السلبي، لا يحب أن يقرأ أو يبحث، بل يريد معلومات جاهزة، يتناقلها عبر وسائل الاتصال، ويروج لها دون أن يتثبت أو يعرف المصدر، بل إنه سريع الاستسلام لعدوه، يقوده بعبارات رنانة، ويتبعه بدعايات كاذبة، ويمنيه بأحلام مستحيلة وآمال بعيدة، ثم يكتشف أنه كان لعبة لخطيب مفوه ساقه إلى الموت، أو كاتب مخضرم سحره بكتاباته وتعبيره البليغ، وأقنعه بشيء يخالف الواقع.
هذا هو العقل المتكلس، سريع الفشل، يحتاج لأن يتحرر من عبودية أهل الكلام، ويخرج من سوق الرق والأمنيات الكذابة إلى حرية الفكر والواقع.
هذا هو العقل المهزوم، اتكالي يريد أن يتطور وهو قابع في الاستهزاء بالآخرين، يريد أن يبلغ مبلغ العلماء المخترعين، وهو لا يحسن أن يصنع لنفسه طعاما، ويريد أن يكون مخترعاً وهو نائم، ينتقد بلا علم، ويحلل بلا معرفة، سهل التحول، فهو لا يحتاج إلا إلى متحدث مخادع يتحدث بلغة بليغة يقنعه بأنه فقير، فيموت قهراً لفقره، ويقنعه بأنه غني فيتكبر على أقرب الناس إليه، تسحره كلمات بسيطة فيفقد وعيه، ولا يفيق من ألف صدمة ولا من مئة ألف كلمة، حتى ميتته تكون ميتة الجبناء.