تقع مدينة الخليل الفلسطينية جنوب الضفة الغربية على بعد 35 كلم جنوب مدينة القدس، وتعد أكبر مدن الضفة الغربية مساحة وسكانا، وتبلغ مساحتها 42 كلم2، وبلغ عدد سكانها نحو 250 ألف نسمة، وللمدينة أهمية كبيرة على الصعيد الاقتصادي، فهي مركز للصناعة والتجارة الفلسطينية، بالإضافة إلى الأهمية الدينية للمدينة التي يتوسط بلدتها القديمة الحرم الإبراهيمي الذي يحوي مقامات الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

وتأتي مدينة الخليل في المرتبة الثانية بعد القدس من حيث التهويد ومصادرة الأراضي وفرض الطابع اليهودي عليها، وتتركز عملية التهويد بشكل خاص في البلدة القديمة وفي شمال المدينة.

ويقدر عدد المستوطنين في الخليل بنحو 8000 مستوطن، منهم نحو 800 مستوطن يقيمون في البلدة القديمة ومنهم طلاب المعهد الديني. ويتمركزون في مستوطنة كريات أربع ومستوطنة «بيت حاجاي» والبؤر الاستيطانية وأهمها أبراهام بينينو وتل الرميدة والدبوية وبيت هداسا. ويحرسهم أكثر من 1500 جندي.

ويتميز هؤلاء المستوطنون بمغالاتهم بالتطرف وتشددهم، وأن جزءا منهم يطلق عليه التائبون، أي الذين كانوا منحرفين ومجرمين ثم تابوا وفضلوا العيش بالبلدة القديمة طلبا للغفران وتخفيض فترة محكوميتهم. وأن أحد زعمائهم باروخ جولدشتاين الذي ارتكب المجزرة المعروفة باسم الحرم الإبراهيمي، حيث أطلق الرصاص بكثافة على المصلين وهم سجد في صلاة الفجر بشهر رمضان المبارك، فقتل 39 شخصا منهم وذلك عام 1994.

ويبذل المستوطنون جهودا مكثفة للاستيلاء على بيوت البلدة القديمة في وتيرة متزامنة مع الاستيلاء على البيوت التي تقع في محيط كريات أربع. وإيجاد مدينة يهودية في البلدة القديمة ومستوطنة كريات أربع، وضم الطريق الواصل ما بينهما وتحويل مدينة الخليل إلى مدينتين عربية وأخرى يهودية.

ويتعرض أهالي البلدة القديمة بالخليل لصنوف متعددة من العذابات والمعاناة من ضرب وقتل وشتائم وقذف البيوت بالحجارة، وتكسير مرايا الحمامات الشمسية المنتشرة على أسطح المنازل، وإلقاء القاذورات داخل البيوت، كذلك الأطفال الذاهبون لمدارسهم والعائدون منها إذ يقوم فتيان المستوطنين بالتعرض لهم وكيل السباب والشتائم وإلقاء الحجارة عليهم.

وفي 15 يناير من عام 1997 وقعت منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الاحتلال اتفاق الخليل أو ما يعرف «بروتوكول الخليل» الذي يقضي بتقسيم المدينة إلى قسمين منطقة «H1» وتشكل مساحتها 80 % من مساحة المدينة الإجمالية وتخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الفلسطينية، ومنطقة «H2» وتشكل مساحتها 20 % من مساحة المدينة، وتتركز في البلدة القديمة وسط مدينة الخليل وتخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، على أن تتحمل بلدية الخليل مسؤولية الأمور الخدماتية التي تقدم للسكان في هذه المنطقة، والتي يقدر عدد سكانها بنحو 40 ألف نسمة. وضمن ذلك أكد الطرفان التزاماتهما باتخاذ كل الخطوات والإجراءات الضرورية لإعادة الحياة إلى طبيعتها في الخليل، لكن لم ينفذ الجانب الإسرائيلي التزاماته حسب هذا الاتفاق الذي وقعه بنيامين نتنياهو، والذي اعتذر للمستوطنين عن توقيعه هذا الاتفاق.

وتم فرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الإبراهيمي، حيث تسيطر إسرائيل على 60 % من مساحة المسجد، ولا تسمح للفلسطينيين بالدخول إليه إلا بعد إجراءات أمنية مشددة على مداخله التي تنتشر عليها نقاط تفتيش وأجهزة الكشف عن المعادن، وفي أحيان كثيرة لا يرفع الأذان من المسجد الإبراهيمي بحجة الإزعاج للمستوطنين داخل البلدة القديمة، كما تفرض إسرائيل الإغلاق الشامل على المسجد الإبراهيمي ومحيطه في الأعياد اليهودية، وتسمح للمستوطنين بإقامة صلواتهم واحتفالاتهم دون أي عوائق.

وتعتبر المنظمات اليمينية في إسرائيل الخليل «مدينة الأجداد»، إذ إنه وفقا للديانة اليهودية فقد دفن في مغارة المكفيلة أجداد الشعب اليهودي (إبراهيم، إسحاق ويعقوب). ويؤكد اليمينيون على أهمية التاريخ اليهودي القديم للخليل في الديانة اليهودية، وهم يدعمون استمرار الاستيطان اليهودي في المدينة وتوسيعه.

في المقابل، تركز المنظمات اليسارية الإسرائيلية على السياسة الإشكالية تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة «H2» الخاضعة للمسؤولية الأمنية الإسرائيلية، التي يعيش فيها أيضا مئات اليهود. ويعارض اليسار الإسرائيلي «سياسة الفصل» في هذه المنطقة التي يفرض الجيش الإسرائيلي بموجبها قيودا شديدة على تنقل الفلسطينيين، إضافة إلى الفصل المادي والقانوني الذي فرضته إسرائيل بين المستوطنين في الخليل والسكان الفلسطينيين.

وقد رفض رونين شوفال، رئيس حركة «إن شئتم» مطالبة اليسار الإسرائيلي المتطرف بإبعاده على خلفية عرقية ليهود الخليل.

ورأى أنه لحل مشكلة فقدان التوازن الديموجرافي في الخليل لا ينبغي إبعاد الأقلية اليهودية التي تعيش في الخليل بسبب استفزازات غبية كهذه أو كتلك، ولا ينبغي إبعاد الأقلية العربية بسبب قتل فظيع كهذا أو كذاك، أي استمرار الحالة الراهنة وصولا في نهاية المطاف إلى تقسيمها أو تشطيرها.

ومما لا شك فيه أن ثمة نقاط تشابه واستنساخ للسياسات الاستيطانية والتهويدية التي تنفذ في مدينة القدس وتطبيقها في مدينة الخليل، وبالتالي يبدو أن مصير هذه المدينة في المستقبل القريب لن يختلف عن مصير القدس لجهة التهويد والأسرلة والضم.