«خير لك أن تزخر مكتبتك بالكتب من أن تمتلئ محفظتك بالنقود».

عندما قرأت هذه المقولة وقفت عندها، وتأملتها، وقلت في نفسي: قائلها مجنون ويستحق العلاج!.

ولكن بعد سنوات، ترددت على المكتبات لأشتري «العلاج»، وأستمتع بشغف وجنون صاحب المقولة. القراءة تمنحك القوة والرؤية والجاذبية، وبالقراءة تسمو وتنمو وتعلو البشرية.

ثقافة القراءة في السعودية بين «أمة اقرأ لا تقرأ» كشعار لفريق نخبوي يجلدنا بهذه العبارة المحبطة أحيانا، ونتائج المبادرات النوعية لرفع مستوى ثقافة القراءة في المجتمع، ولعلنا نذكر منها نماذج مضيئة.

المسابقة الوطنية الثقافية النسائية «قارئة»، التابعة لمؤسسة إثراء المعرفة الوقفية، تظهر بوضوح حجم الإقبال الكبير عليها، والتي تهدف إلى تعزيز شغف المعرفة وتنمية القدرات التعبيرية والتحليلية والإثراء اللغوي والمعرفي، وصناعة جيل مثقف قادر على المشاركة في التغيير وتحقيق «رؤية 2030».

«نادي القراءة» التابع لجامعة الملك سعود، والذي يهتم بإعادة تدوير الكتب بين القراء واستبدال الكتاب بآخر في التخصص نفسه، دون تحمّل مصاريف مالية، استطاع النادي تدوير أكثر من 10 آلاف كتاب خلال معرض الرياض الدولي للكتاب للعام الماضي، وتعدّ هذه المبادرة مُحفِّزة ومشجعة على القراءة.

في مارس 2017، أجرى المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام، التابع لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، استطلاعا للرأي حول اتجاهات السعوديين نحو قراءة الكتاب، وشارك في الاستطلاع أكثر من ألف مواطن بعينة عشوائية من مختلف مناطق المملكة، مثلت نسبة الذكور 70%، والإناث 30%، وكشفت نتائج الاستطلاع أن الأشخاص المهتمين بقراءة الكتب يتفاوتون في زمن القراءة.

فالذين يقرؤون على فترات زمنية متباعدة بلغت نسبتهم 53%، بينما الذين يقرؤون بشكل يومي 11%، والذين يقرؤون بشكل أسبوعي 21%، والذين يقرؤون بشكل شهري 14%، وكشف الاستطلاع أن معدل قراءة 5 كتب وأقل خلال عام 2016 بلغ عند أفراد العينة نسبة 66%.

ووفق الاستطلاع، احتلت الكتب الدينية النسبة الأعلى للقراءة بـ30%، تليها الكتب العلمية بـ21%، ثم الروايات بنسبة 20%، وكتب الأدب واللغة بـ11%، بينما جاءت الكتب السياسية في آخر اهتمامات القراءة بنسبة 4%.

محفزات قراءة الكتب تنوعت عند أفراد العينة، فسجلت المعرفة والثقافة 26%، ثم تطوير الذات بـ11%، ثم الأهداف التعليمية بـ10%، بينما شغل وقت الفراغ 7%، وقد سجلت قراءة الكتب في المنزل النسبة الأعلى بـ37%، بينما 4% فقط يفضلون قراءة الكتب في المكتبات العامة، والغريب أن نتائج الاستطلاع كشفت أن أفراد العينة لا يفضلون القراءة عند استخدام وسائل النقل الجوية وغيرها.

هذا الاستطلاع وهذه المبادرات النوعية تنسف عبارة «أمة اقرأ لا تقرأ»، فنسبة القراءة جيدة، والعدد في نمو، والمبادرات المجتمعية تحفز وترفع من نسبة الوعي حول أهمية القراءة، رغم وجود منصات الإعلام الجديد، وسحبها جزءا كبيرا من وقت السعوديين.

خلال الشهر القادم سيفتح معرض الرياض الدولي للكتاب 2018 أبوابه للزوار، تحت شعار «الكتاب.. مستقبل التحول»، فالمعرفة والثقافة تنهضان بالأمم، وتبنيان الحضارات، وترتقيان بالبشرية، والمستقبل الواعد لبلادنا يحتاج إلى مجتمع واعٍ وأفكار ومفاهيم تصوغها الكتب والثراء المعرفي، وليست مفاهيم كبلتها وقيدتها شخصيات ضخّمت ذواتها، واستخدمت الأَتْباع لتحقيق أهدافها.