يبحث مجلس الشورى السعودي حاليا وفي وقت متأخر كثيرا موضوع التجنيس التلقائي ليس للكفاءات والمهارات الأجنبية التي ينبغي إغراؤها واستقطابها ودمجها بالنسيج المحلي في حاضناته العلمية التكنولوجية والاقتصادية، من خلال إضافة مميزات للجنسية السعودية، وإنما موضوع التجنيس الخاص بمن نصفهم الأول سعودي ونصفهم الآخر غير سعودي، تجاوزت الدول المتقدمة معضلة تجنيس الأبناء ممن يكون أحد والديهم أجنبي الجنسية، من خلال المنح الآلي والسلس للجنسية. وانشطر الرأي الاجتماعي في المجتمع السعودي ما بين سعودي مؤيد متضرر من عدم منح أفراد أسرته الجنسية وما بين معارض يخشى على الديموغرافيا السعودية من الانهيار بسبب تجنيس «أوادم» موجودين في صلب المجتمع بدون الجنسية أساسا! المبررات المعارضة في تويتر مثلا بحتية عاطفية سمجة، فالمعارض من تجنيس الزوج يخشى أن يوظف ويضخ ذكاءاته الاقتصادية والعمل في المجال التجاري! وهي حسنة لا تضر المجتمع الاقتصادي الذي يتطلب الشخص الدؤوب الذي سيضخ مردود تجارته داخل البلد أصلا، كما يخشى المعارض تجنيس أبناء السعودية حتى لا يتحولوا إلى معارضين سياسيين يحملون الجنسية السعودية، والمعارضة السعودية التي شاخت وشابت مكونة من 4 أشخاص معتوهين في لندن (المسعري والرشيد والفقيه والدوسري) أثرياء من أصول سعودية ممولين من قطر في الخارج، وتنهال على «منشنهم التويتري» اللعنات والازدراءات والسخرية من عوائلهم وقرابتهم فضلا عن بقية طيف المجتمع اللاذع في سخريته!

ويخشى المعارض لاستحقاق الجنسية من أن أبناء غير السعودي سيشكلون بؤرة الفساد الأخلاقي في وقت يتطور فيه نظام مكافحة الجرائم والمحاكم والأحكام القضائية. لا يوجد هنالك ما يدعو إلى كل هذا الكم من الصخب اللا مبرر إذا رأت الجهات العليا أنه حان الوقت والمصلحة لمنح الجنسية السعودية وفق نظام الاستحقاق لها. تنوع الطبقات العرقية في أميركا لم يجعلها تنهار، ووحدانية الطبقة الاجتماعية في الصومال لم يقدها لريادة العالم، بينما انفجرت الصين على العالم اقتصاديا من خلال طبقة عرقية واحدة، وانعزلت كوريا الشمالية عن العالم بطبقة عرقية واحدة، ومن التاريخ الإسلامي وصلت الدولة الإسلامية إلى تخوم إيطاليا وسور الصين بحشد المسلمين من كافة العرقيات من آسيا إلى أوروبا.

بعيدا عن الآراء حول قضية طلب استحقاق الجنسية السعودية آليا «للمواطنين المؤقتين» بسبب صلة القرابة السعودية، إلا أن مواد اللائحة التنفيذية لنظام استحقاق الجنسية العربية السعودية ومع تعديلاتها الدائمة على شروط استيفاء النقاط، لا تزال قديمة بعض الشيء حينما نتحدث عن الاستحقاق الآلي للجنسية بسبب الجنسية السعودية لأحد الأبوين. النقاط المفروضة الآن لا بد أن توجه لخانة «أصحاب المهارات العالية» الذين نحن في حاجة إلى سعودتهم واستقطابهم لرفع مستوى الصناعة والعلم والاقتصاد.

ففي الدول المتقدمة والمتحضرة كبريطانيا مثلا، يتم اعتماد نظام النقاط لمنح الجنسية البريطانية للمهاجرين والمقيمين شبه الدائمين من أصحاب المهارات العالية كالأطباء والعلماء والتجار، وفق شروط بالغة التعقيد وترتبط هذه النقاط بحسن السيرة والسلوك، كما صرح وزير الداخلية البريطاني عقب اقتراحات بتعديل شروط الاستحقاق، بأن السلوك السيئ لطالب الجنسية البريطانية أو الحاصل عليها سيتسبب في معاقبته.

تمنح الجنسية البريطانية لمن تضعهم في خانة «أصحاب المهارات العالية» وتشترط أن يقضي المهاجر أو الراغب في الحصول على الجنسية خمس سنوات في البلاد كـ«مواطن مؤقت» تتم متابعة سلوكه الحسن وانتظامه في دفع الضرائب والعمل التطوعي قبل أن يصبح مواطنا دائما.

حينما ننظر للتنوع في المجتمع الاقتصادي والعلمي البريطاني سندرك مدى أهمية اختصار الزمن في توظيف الكفاءات الكفيلة بقيادة المجتمع تكنولوجيا واقتصاديا، يتمتع المجتمع الاقتصادي والتكنولوجي والهندسي البريطاني بطيف من الأعراق الآسيوية القادمة من الهند وباكستان وآسيا الكبرى، بينما تضخ أوروبا، خصوصا إيطاليا وفرنسا، العديد من العقول العلمية وعلماء فئة النخبة في مختبرات وجامعات الطب والعلوم في بريطانيا، فضلا عن أن المجتمع البريطاني الأصلي مجتمع متمدن ومتجذر في حب الهيمنة والتقدم، والإنجليزي في مجال عمله طاقة تبعث على وجوب الالتزام والصرامة في المواعيد والتكلم بمنطقية ومسؤولية على مستوى عالٍ.

العمل في خضم هذا المجتمع داخل بيئة الجامعة أو خارج بيئتها في أماكن العمل بالمؤسسات الحكومية والمنشآت الخاصة هو ما يجعل للجنسية قيمتها وللوطن أهميته، فهناك ما يبعث على الحياة في بريطانيا لدى كل من يطلب الجنسية بالرغم من تكلفتها الباهظة وغلاء المعيشة في بريطانيا.

من وجهة نظري الشخصية، فأنا أتفق على ضرورة الحصول التلقائي للجنسية السعودية لأبناء أحد الزوجين السعوديين بعد استيفائهم النقاط التي تنص عليها لائحة نظام الجنسية العربية السعودية، كما لا أرى مانعا من وجود شروط بالغة التعقيد للحصول على الجنسية السعودية للمهاجرين، لأن مطلبها ثمين تستحقه بجدارة كأحد أرقى الجنسيات العالمية التي يحلم بها الباحث عن وطن أو فرصة للعمل التجاري.. كل من يرى أنه يستحق جنسية فإن لديه ما سيبذله من أجلها، ما أود قوله أن «الأمور طيبة».