مازالت الهجرة الجماعية على نطاق واسع ومستمر تواجه أوروبا الغربية بصورة تخلق التوترات ليس فقط داخل الدول، بل فيما بينها. تندلع هذه التوترات أحيانا في صراع مفتوح، حيث بدأ بالفعل عصر جديد من «حروب الهجرة»، مما يمثل انقلابا غريبا.

على مر القرون، كانت الحروب قوة رئيسية غالبا ما تكون الدافعة للهجرة الجماعية. ومن الواضح أن عددا غير محدد من المدنيين أجبروا على الفرار من القتال الذي اندلع في أوروبا وأماكن أخرى خلال الحرب العالمية الثانية. والآن تسببت الحرب الأهلية الجارية في سورية في وجود 5.3 ملايين لاجئ، بالإضافة إلى العديد من الآخرين. وبما أن الحرب تسبب الهجرة الجماعية، فإنها من الممكن أن تصبح سببا للحرب في حد ذاتها.

وهذا هو الحال بالنسبة للحجم الهائل لأزمة المهاجرين الحالية. تقدِّر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن هناك نحو 65.6 مليون شخص «مشرَّدون قسرا» في العالم. ومعظم هؤلاء مشردون داخل بلدانهم، ولكن هناك حوالي 22.5 مليون لاجئ مشردون من أراضيهم الأصلية.

 لقد فرَّت أعداد هائلة من الناس من بلدانها، لاسيما سورية، لبدء حياة جديدة في الغرب، مخاطرين بحياتهم، بحيث يقومون في كثير من الأحيان برحلات خطرة للغاية عبر البحر الأبيض المتوسط أو البر عبر بلدان العبور، مثل تركيا واليونان. وفي الأشهر السبعة الأولى من عام 2017 نجح 115,109 مهاجرين في عبور البحر الأبيض المتوسط. وقفز إجمالي عدد طلبات اللجوء إلى أوروبا الغربية بشكل كبير في الفترة 2014-2015، من 0.6 مليون إلى 1.4 مليون، لكنه انخفض إلى 1.3 مليون في عام 2016، في حين أن العديد من المهاجرين الآخرين، الذين لا يمكن تصنيفهم، وصلوا بشكل غير مشروع إلى أراضي الدول الغربية دون طلب اللجوء رسميا.

وقد تأثرت أجزاء من العالم، إلى جانب أوروبا الغربية، فمنذ أغسطس 2017، على سبيل المثال، فرَّ حوالي نصف مليون شخص من الروهينجا من العنف والاضطهاد في موطنهم ميانمار إلى الدول المجاورة، لاسيما بنجلاديش وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا، من أجل ملاذ نسبي. وفوق كل ذلك، يهرب من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الملايين من الفقر من الدول غير الساحلية في منطقة الساحل، ويتجهون إلى دول الرخاء النسبي غرب إفريقيا، إذ إن حوالي خُمس سكان «كوت ديفوار»، على سبيل المثال، يضمون أشخاصا ولدوا في أماكن أخرى.

وأخيرا، قد تثير ظاهرة الهجرة الجماعية اشتباكات مُسلحة بين الدول والناشطين الذين يتصرفون أو يدَّعون أنهم يتصرفون إما بالنيابة عن المهاجرين أو في بعض الحالات للدفاع عن وطنهم من المهاجرين.

وبعبارة أخرى، فإن ظاهرة الهجرة الجديدة ليست مأساة إنسانية فحسب، بل إنها تهدد أيضا بزعزعة استقرار مناطق العالم بأسرها بطرق بعيدة المدى. وهذا يعني أنه لا بد لكل بلد - في العالم النامي والعالم المتقدم نموا - ليس فقط من إدارة تدفق الناس، وإنما لمعالجة أسباب مشكلة الهجرة من مصدرها. ويجب تركيز مزيد من الاهتمام على الأسباب الجذرية للظاهرة، سواء كان ذلك بسبب الحرب أو الفساد أو النمو السكاني. وتبيِّن الحالة الجارية في ميانمار، حيث لا يزال التمييز ضد الروهينجيا مؤسسيا، ومخاطر الظُلم الذي يحتاج إلى حلول جذرية.. حيث ستكون عواقب التقاعس عميقة للجميع، فقد بدأ بالفعل العصر الجديد لحروب الهجرة.


آر تي هوارد*


*مؤلف عدد من الكتب عن الدفاع والعلاقات الدولية

(ذا ناشونال انترست) - الأميركية