يقول الكاتب الكندي «ويليام كارني»، «العلاقات العامة لدينا هي بشكل يختلف عن السائد، عمل يرتكز على ما وراء الكواليس، ولن يستمتع بها إلا أولئك الذين لا يمانعون من قضاء معظم أوقاتهم دون تفاعل واتصال شخصي مع العملاء أو الشركاء، ولكنهم في المقابل يقدّمون المشورة لمن يقوم بدور المتصل والمتحدث العام». هذه الرؤية للعلاقات العامة الكندية جعلتها تختلف عن تلك الأميركية التي تعد أكثر جهورية وظهورا وبروزا أمام المتلقين. وينظر إلى حملات العلاقات العامة في كندا بأنها تسعى لتطوير العلاقة مع الجمهور، وكسب ثقته ودعمه المباشر للمؤسسة أو لخدمة تقدمها، أو إقناعه بدورها الإيجابي للمجتمع ككل. ومن وجهة نظر مالية، فإن العلاقات العامة الكندية تعد من القطاعات المربحة، والتي تقل فيها معدلات البطالة بأكثر من النصف مقارنة بالمعدل المتوسط الوطني. وقد لوحظ بين ممارسي العلاقات العامة الكنديين هذا العام عدد من الإستراتيجيات المشتركة لضمان الوصول إلى الجمهور المستهدف، وهذه الإستراتيجيات شاملة وغير مقتصرة على:
1 - الشروع بالبث المباشر، بعد أن تبين أن 80% من الكنديين يتابعون بثا مباشرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل مرة في الأسبوع، فقد ازداد معدل استخدام ممارسي العلاقات العامة للبث المباشر بشكل كبير. والأمر الأكثر أهمية أن تسجيلات البث المباشر يتم حفظها لتحليل سلوكيات الجماهير أثناء تعاملهم العفوي أثناء البث. هذا التحليل يحسّن فرص إيجاد منتجات تناسب ذائقتهم، ويسهّل على المسوّق وممارس العلاقات العامة تنفيذ مهام عملهم.
2 - تهتم شركات العلاقات العامة الكندية برعاية المناسبات، والمؤتمرات والحفلات الشعبية بما في ذلك اليوم الوطني، ويؤمنون بأن مشاركة الجمهور أفراحهم يعزز من فرصة تعزيز علاقة المؤسسة بهم، وبالتالي إنجاح الحملات الإعلامية المنفذة. يستغل ممارسو العلاقات العامة الكنديون التجمعات الشعبية لاعتلاء المنصة والحديث ولو لبضع دقائق عما يقدمونه بهدف صناعة وعي بعلامتهم التجارية.
3 - الإبداع في كتابة وعرض البيان الصحفي. لا يتعامل مسؤولو العلاقات العامة الكندية مع البيان الصحفي كمجرد مهمة روتينية، بل ينظر له كأمر في غاية الأهمية، وتكريس الوقت لصياغته وتصميمه، وإظهاره بشكل استثنائي أمر لا يستغني عنه أي ممارس علاقات عامة كندي. وأي بيان صحفي تقليدي لا يعدو كونه كلاما مكتوبا في ورقة أو في صفحة رقمية، فلا يحظى بأي اهتمام إعلامي أو قراءة جماهيرية، وبالتالي يتم تجاهله كأنه لم يكن. وسبب ذلك، وفقا لمستشار العلاقات العامة الكندي «تود هوبتمان»، هو أن «الصحافة تقلصت، وقل عدد الصحفيين الذين ينتظرون الأحداث للكتابة عنها، وبات من الصعب إيجاد المهتمين صحفيا بما ينتجه ممارس العلاقات العامة، ولكن مزيدا من الإبداع في تحرير البيانات الصحفية قد يكون حلا سليما لتفادي هذه المشكلة».
4 - بناء علاقات طيبة مع العاملين في الإعلام، ذلك أنه أمر جوهري لعمل مسؤول العلاقات العامة. وبالنظر لعولمة هذا العصر، فإن بناء علاقات طيبة مع العاملين في الإعلام من شتّى دول العالم قد يكون أكثر مواكبة ومناسبة. دائما ستكون هناك خطوط مشتركة يمكن الاستفادة منها بين الصحفي، سواء كان محليا أو أجنبيا، ومسؤول العلاقات العامة. ولكن قبل المصالح المؤسسية والخطوط المشتركة، يحمل الاثنين على عاتقهما مسؤولية صناعة اتصال خلّاق وواع لا يتنافى مع مصلحة الجمهور العامة، ومصلحة الوطن.
ووفقا لجمعية العلاقات العامة الكندية فإن المديرين الكنديين يؤمنون بشكل كامل بأن عدم التوظيف المهني الفاعل للعلاقات العامة يتسبب بخسارة المؤسسات، سواء كانت في القطاع غير الربحي أو الربحي الخاص، أو الحكومي. وتشترط الجهات العليا في كندا على أي مستثمر أجنبي اللجوء إلى العلاقات العامة الكندية لدراسة الحالة الشعبية وقياس مدى فاعلية ونجاح الاستثمار المحتمل. ومؤخرا، تم منح «جوجل» مساحة كبرى للاستثمار في «تورنتو» بعد التزامه بدفع خمسين مليون دولار تكاليف استشارات علاقات عامة حول المشروع المقترح، حسبما صرّحت صحيفة «ذا ستار» الكندية.
هذا الموقف الجاد والمكانة الاعتبارية للعلاقات العامة تثبت أن كندا لا تنظر إلى هذا المجال العلمي كمجرد «برستيج»، بل كأداة مهمة لا يمكن التخلي عنها في المواقف التي تتطلب جهودا اتصالية. ومن وجهة نظري، فإن هناك ما يمكننا اقتباسه من الممارسة، وقبلها الدراسة للعلاقات العامة في كندا، بما في ذلك تحليلهم لسلوكيات الجماهير عبر التقنيات الرقمية الحديثة، وتعاملهم الاحترافي مع كبريات الشركات الاستثمارية الخارجية.