وكما أشرت بالأمس، فإن المشكلة الأساسية في متلازمة التنمية ومناطق الأطراف سابقا تكمن في مركزية التخطيط التي لا تسمح حتى لأمراء هذه المناطق بصلاحيات كبيرة في تحديد وتنفيذ ركني هذه التنمية. ركنا هذه التنمية هما رسم الأولويات واختيار الكفاءات. وهنا لا أعتقد أن فردا واحدا في منطقة عسير يعرف المعاناة مع هذين الركنين مثل أمير المنطقة. وهو يعرف أن الحاجة إلى مدينة طبية عصرية وحديثة أهم بكثير من مشاريع المدينة السكنية، فهو من يعرف ما هو الأهم قبل المهم. دعوني أرسم لكم صورة صغيرة في قصة إحدى محافظات المنطقة مع الأولويات.

قبل فترة افتتح الأمير فيصل بن خالد عدة مشاريع ببضعة مليارات، وهي، للأمانة، مشاريع حيوية في حياة المكان والإنسان. ومع ذلك أجزم بأن الأمير، آنذاك، لو امتلك قرار تحديد الأولويات لاختار مشروع ازدواج الطريق إلى تلك المحافظة ولو على حساب مشاريع أخرى لا ترقى إلى أهمية شريان النقل، لأن النقل هو محرك الاقتصاد إلى أي مكان.

أتذكر أن أول من تحدث عن الحاجة إلى أن يكون أمير المنطقة صاحب الرأي الأول في تحديد المشاريع كان الأمير سعود بن عبدالمحسن قبل سنوات طويلة.

وفي الركن الثاني، وهو الكفاءات التي تدير مشاريع التنمية في المناطق المختلفة يبدو أن أزمة الاختيارات أسوأ وأعمق. أمير المنطقة، أيا كان، هو الأعرف بكفاءة الطواقم المختلفة في الإدارات الحكومية من حوله، ومع هذا لا يستطيع أن يفعل الكثير في تشكيل فريق عمله بالمنطقة.

قرارات تعيين مديري العموم تطبخ في الوزارات، وقد يعاني أمراء المناطق لسنوات من أجل الحذف أو الإضافة. أكثر من هذا فإن مناطق الأطراف لا تحظى في العادة بإغراءات جذب لأصحاب الكفاءات المتميزة التي تفضل الحياة في المدن المركزية الكبرى، وهذا ما يجعل من مناصب المناطق الطرفية إما مجرد محطة عبور من أجل الحصول على المرتبة، وإما أماكن اضطرار لكثير من الذين يفتقدون قواعد المنافسة على المراتب والمناصب في دهاليز الوزارات المختلفة.

الخلاصة أن الدولة، وللحق، تضخ في الأطراف مئات المليارات، وهوما يستدعي تحقيق ركني إدارة هذه التنمية.