طالب الشريم



يشيع بين المشتغلين في الفلسفة، وما يتبعها من مذاهب فكرية، سواء علمية تجريبية، أو مثالية ميتافيزيقية، أنواع من درجات الجمود، والتمترس خلف نظريات قال بها متفلسف ما، أو مفكر ما، في زمن ما، وفي موقع ما على هذا الكوكب، دون التقصي والتمحيص، ثم التجاوز، بعد دراسة النصوص هرمنيوطيقيا، لمعرفة ملابسات الظروف المحيطة في القائل، وحالته الخاصة، والاجتماعية، في الأثناء التي أطلق فيها نصه المقول.

ومن أهم الدراسات التي بقيت مرجعا للباحثين في التحليل النفسي ما قدمها الطبيب النمساوي اليهودي سيغموند فرويد (1859 – 1939)، الذي اشتهر بنظريات العقل واللاوعي، والذي يرى أن الشخصية ما هي إلا محصلة التفاعل بين أنظمة ثلاثة، الهو، والأنا، والأنا العليا، تختصر الأولى باللذة، والاحتياجات البدنية اللاإرادية، منها الطعام، والثانية الأنا الإرادية المعتدلة، والوسيطة بين الهو، والأنا العليا، تأخذ من هذه وتلك، وترفض منهما أيضا، أما الأنا الثالثة العليا فهي شخصية المرء في صورتها الأكثر تحفظا وعقلانية، وتمثل الضمير القائم على القيم والمبادئ الفاضلة.

ذهب فرويد، وتطورت متطلبات النفس البشرية، ولم تتوقف الشخصية على تلك التفصيلات الثلاثة التي يقف عند حدودها مفكرو العصر الذين يرفضون كل أشكال الرجعيات، ويقعون بشكل أو بآخر في رجعية فكرية لرموز عاشوا في أماكن وأزمنة لا تتوافق مع حاضرهم، متناسين الدراسات الهرمنيوطيقية التأويلية التي ينادون بها.

إن المكابدة طبيعة للنفس البشرية، والتي عادة ما تتعصرن بعصرها، وتخضع لمستجدات واقعها، وعليه يمكن لنا محاولة تصوير ملامح الشخصية بحدود تتجاوز ما ذهبت إليه تلك الأدبيات القديمة، وأن نضعها في إطار الأنا المتعالية الروحانية، التي تزهد بكل ما له صلة بالجسد، ومطامع الدنيا، والأنا العليا التي لا تتأثر بالمنقصات اليومية، وتكون قادرة على توفير جهد الخروج من الحالة المزاجية السيئة من خلال التخلي والخلوص، والتعالي فوق النفس، لا وسط معترك أمواجها الثائرة، والأنا الوسطى التي تأخذ من العليا، وتهبط للسفلى، في حالة مزاجية تؤثر وتتأثر، تكسب وتخسر، والأنا السفلى التي تقبع بالهوان الدائم، ولا يحكمها مبدأ، ولا تخضع لقيم، أما الأنا الأخيرة فهي المتشظية الملفوظة، كالعود المتطاير إلى فتات، لا تعرف ذاتها، ولا تعرف ماذا تريد من الحياة.

تلك تقسيمات خمسة للشخصية، بمعرفتها يستطيع المرء أن يعلم الحالة المزاجية التي يكون عليها، ويمكن التفصيل في كل نوع منها في موضع لاحق.