كانت التجارة وما زالت من أكثر المهن المدرّة للمال، وكلما كان التاجر ذكيا في إدارة تجارته من حيث توفير السلع المناسبة، والموازنة بين العرض والطلب، وحساب الأرباح، والمنافسة لتقديم الأفضل، والترويج بطرق ذكية، كان الإقبال عليه كبيرا والمكاسب مضمونة.

ولا شك أن الدعاية والإعلان للسلع والمنتجات هي وسيلة من وسائل ترويجها، وجذب اهتمام المستهلك إليها، وقد عرّف أوكستفيلد الإعلان أنه: عبارة عن عملية اتصال تهدف إلى التأثير من البائع على المشتري، ويتم الاتصال من خلال وسائل الاتصالات العامة. كما عرفتها مؤسسات أميركية وبريطانية بأنها وسيلة للتعريف بسلعة معينة، أو إغراء الفرد بسلوك معين تجاه منتج معين.

وعلى كلٍّ فالمتفق عليه عالميا هو أن الإعلانات التجارية هي وسيلة من وسائل كسب ثقة المستهلكين، ولفت أنظارهم لمنتجات معينة بهدف زيادة الإقبال عليها، ومن ثم تحقيق أعلى المكاسب المادية للجهة المنتجة.

ولقد تنوعت وسائل الدعاية والإعلان بشكل ملفت للنظر عما كانت عليه في السابق، وهذا يعود بالطبع إلى عدة عوامل، منها: زيادة عدد المؤسسات الربحية، وزيادة أنواع المنتجات، وزيادة الطلب، وتنوع وسائل التواصل والانفتاح.

وقد تعدى كونه ترويجا بسيطا إلى حمى تنافسية، وهوَس إعلاني، إن صح التعبيران، فنرى المؤسسات تتنافس على قدم وساق في الترويج لمنتجاتها بكافة الوسائل، بغض النظر عما يناسب المستهلك وما لا يناسبه، وسواء كانت الدعاية للمنتج مبنية على صواب أو كذب، أو جودة وعدم جودة، ولو سلّمنا أنه من حق المُنتِج الإعلان لسلعته وترويجها، فإنه يجب على المستهلك بالمقابل أن يقف بثقافة وحزم على دوره كمستهلك تجاه هذا الزخم وهذا التكدس وهذه الإعلانات التي تخترق جدار مناعته ضد أي تأثير، حيث أصبح المستهلك ينجرف سريعا خلف أي إعلان دون تحَقُّق أو نظر في مدى حاجته لهذا المنتج أو عدمها، ودون الموازنة بين السعر وإمكاناته المادية، فقط بغرض مسايرة المجتمع والتجريب والاغترار بما جاء في الإعلان، مما أدى إلى هذا العجز الذي يشتكي منه الأغلبية في ميزانياتهم، وأنها أصبحت لا توائم متطلبات العصر، بينما لو حكّم المستهلك عقله قبل أي عملية شراء لوجد حقيقة أن هناك كثير من السلع التي يشتريها عبارة عن أشياء كمالية لا حاجة له بها، ولا يشكل عدم وجودها لديه أي نقص، بينما اقتناؤها يشكل عبئا ماديا يهز ميزانيته ويرهق كاهله، وربما اضطر للاستدانة.

هنا علينا جميعا أن ندرك تمام الإدراك أن الهدف الأساسي للمؤسسات الربحية هو الربح ولا شيء غيره، وعليه يجب أن نضع نحن في أولوياتنا ألا تكون أرباحها على حساب استقرارنا ماديا ونفسيا.

يجب أن يكون لنا رأي مستقل ونظرة عميقة تجاه ما نقتنيه مهما بلغت الدعاية له أو عليه، ونتسلح بالثقافة الكافية التي تمكننا من إصدار أحكام صحيحة تجاه المنتجات دون حاجة إلى إعلان ودعاية، ونوازن بين الاحتياجات فنقتنيها من أجود الأنواع بعد سؤال أهل التجربة والخبرة، بعيدا عن بهرجة الإعلانات وزيفها ومبالغاتها، والكماليات، فنحدد موقفنا تجاهها من شراء وعدمه بشكل لا يتعارض مع استقرارنا المادي، دون تأثر بما يُعلن عنها ويُروّج، وأن يكون قرارنا تجاه أي مُنتَج مبنيا على قناعة منا وثقافة سابقة.