في حوار لي مع الأخ الباحث حسام زواوي وصف سبب شغفه باكتشاف العلوم أن باكتشافاته وبحوثه «يضيف إلى دائرة المعرفة معلومة جديدة»، ويصف شغفه بالبحوث العلمية كأنك تكتشف شيئا لم يعرفه أحد قبلك، وسيستفيد منه كل من بعدك. وبذلك تكون قد أضفت معلومة جديدة في دائرة المعرفة. عاصرنا الكثير جدا من هذه الاختراعات التي أصبحت جزءا من حياتنا.

تتجه مناهجنا لتعليم المعرفة وتحفيظ ما هو موجود ضمن إطار ضيق ومحدود ومحزن أطلقنا عليه المنهج الدراسي. داخل المدرسة يقرأ الطالب في هذا الكتاب، وخارج المدرسة يسمع عن البرمجة، والسيارات الكهربائية، والسيارة بدون سائق، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتسجيل لرحلة المريخ، وشباب في العشرينات تم إعلانهم من أثرياء العالم. ولأن الأهم لحياته العملية ما هو داخل المدرسة، فيضطر إلى تركيز وقته على ما يُحِد دائرة المعرفة لديه للحصول على الدرجات والنجاح في الاختبار، وترك كل ما يطلبه مستقبله من علوم أخرى. إلا من رحم ربي.

المعلومة في سياق المناهج لها استخدامان، إما بنوعية المعرفة حسب التخصص والمجال، أو لعمق المعرفة بحسب الصف الدراسي، واجتماع الاثنين في مصفوفة عموديا وأفقيا ترسم تصورا واضحا لكل ما يجب أن يتعلمه الطالب في كل مرحلة دراسية. والتعليم اليوم يحتاج إلى إطار عام للمناهج ضمن مصفوفة متكاملة من نوعية وعمق المعرفة. وقد اتخذت كثير من الدول إستراتيجية بناء أطر عامة وتخصصية للمناهج. وقامت اليونسكو بالتعاون مع مجلس التعليم الدولي بإصدار آلية لتطوير أطر المناهج لمساعدة الدول المتأخرة في التعليم من تطوير مناهجها، وذكرت أربعة أسباب لنشر الدليل.

أولا: تسارع نمو المعرفة وصعوبة اختيار «قطع» من المعرفة في منهج.

ثانيا، التأكيد على أن هدف المناهج بناء قدرات بشرية، وليس قدرات لتذكر المعرفة.

ثالثا، ليس على كل الطلاب تعلم كل شيء.

رابعا، المدرسة ليست الفترة الوحيدة للتعليم، وعلى الطلاب تعلم كيفية التعلم المستمر.

لنواجه الحقيقة، مهما تطورت خطوات تطوير المنهج الدراسي، فلن تكون أسرع من تطور العلوم والمعرفة أو حتى طرق التدريس. نعم، هناك أساسيات يجب أن يتعلمها الطالب لا تتغير مهما تطورت العلوم والمعرفة. ولكن هناك الكثير من المعارف والمهارات الأساسية التي لا نتعلمها في مدارسنا. لغة البرمجة أصبحت واحدة، فمع تطور التقنية، أصبحت لغة البرمجة واحدة من أهم اللغات في العالم، وتوجد مناهج وبرامج تعليمية للبرمجة للصف الأول الابتدائي. وأخرى هي البحث واستخراج المعلومة، فمن المحزن قدرتنا على استخدام الإنترنت، ولكن يصعب على بعض الطلاب البحث عن المعلومة فيه. وغيرها من معرفتنا بالعالم واللغات وثقافات الشعوب، والكثير من المهارات المطلوبة من الطاقات البشرية مستقبلا.

دائرة المعرفة واسعة جدا، ولا يمكن أن يتعلم المعلم في كليات التربية كل ما فيها حتى يستطيع أن ينقلها. ولكننا نحتاج لإضافة مواد في كليات التربية تساعد المعلم على التعامل مع معلومات جديدة، وحث طلابه على التوسع في دائرة العلوم والمعرفة. لنعلمهم التعلم، ولا مانع من وضع حد أدنى من التعلم، ولكن أطلق الحد الأعلى عنان السماء. المشكلة هي أن طلابنا بصورة عامة لا يتعلمون للتعلم، إنما لاجتياز الاختبار الذي سرعان ما يصبح الحدث والمحتوى في رصيد النسيان.

تعليمنا اليوم يحتاج إلى إطار عام للمناهج يتحلى بالمرونة، والتركيز على المهارات، ويتكيف مع المتغيرات، ويتوافق مع ثقافتنا وواقعنا. لنضع الإطار بين أيادي معدي برامج كليات التربية، وبين أيادي متخصصي التطوير المهني للمعلمين، ولنفتح المجال لصانعي المحتوى المعرفي والعلمي للإبداع عبر مناهج مطبوعة، أو مسموعة، أو مرئية، أو غيرها من قنوات إيصال المنهج للجيل الجديد.

يوم الأربعاء الماضي احتفلت وزارة التعليم ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع مؤسسة مسك الخيرية بإنجاز جديد في مشاركة أكثر من 300 ألف طالب وقرابة 10 آلاف معلم في فعالية السعودية تبرمج. خطوة رائدة في التحول التقني والمعرفي، ووفق الله جميع العاملين على المرحلة الثانية.