أصدرت المحكمة العليا أخيراً، مبدأً قضائياً يتمثل في حق الزوجة فسخ النكاح، كرهاً لزوجها، وعدم إطاقتها للعيش معه، باعتباره سبباً شرعياً للطلاق، حيث يحق للقاضي فسخ عقد الزواج للكره دون الحاجة لطلب الخلع، ويكون طلاق المرأة بعوض يقدره القاضي، حيث كانت المرأة في الماضي إذا كانت كارهة لزوجها لها أن تتقدم بالخلع، وصورته أن يتفق الزوجان على العوض، ويقول: خالعتك بكذا وهي تقبله.

 بالإضافة إلى ما سبق، هناك إشكالية أخرى تتعلق بطلاق المرأة، وهي أن المرأة تطلب الطلاق من زوجها أو الاختلاع منه فيرفض الزوج طلاقها، فيتركها معلقة، إما أنه يريدها ولكن ترفضه بشدة لسوء معاملته لها، أو انتقاماً منها، فبعض الأزواج يعذب زوجته ويهينها، ويمنع حقوقها، ويعرض عنها، فلا هي زوجة ولا مطلقة، وإن طلقها تلاعب بها، وأتلف أعصابها، وجعل طلاقها مجالا للانتقام منها، وليس هذا وحسب، بل إن بعض الرجال عند الطلاق يراجع مطلقته مرة أخرى في آخر عدتها، وهو لا يريد مراجعتها إلا لمكايدتها، والإضرار بها.

وبالرغم من أن الفقهاء ودعاة الدين يرون أن الله تعالى شرع الزواج «أراد إسعاد المرأة بالرجل، وإسعاد الرجل بالمرأة، وجعل الرابط بينهما شرعا مقدساً، فإذا لم يتوافق الزوجان لأمر يعرفانه أو لا يعرفانه كان في الفراق راحة لكليهما، فإن بقاء المرأة مع رجل لا يريدها أو هي لا تريده عذاب لهما جميعا. وكما كان الإقبال على الزواج بشوق وفرح ووئام، فإن الفراق لا بد أن يقع في جو من التفاهم والاحترام»، ولكن للأسف ما يحدث في واقع المجتمع من قصص ومآسٍ، ضحيتها المرأة في الغالب، يختلف عما يقوله دعاة الدين تماماً.

فالطلاق عند دعاة الدين يقع بمجرد تفوه الرجل بكلمة الطلاق، ثم يأتي الزوج إلى المحكمة ومعه شاهدان اثنان، وعلى الفور يتم استخراج صك الطلاق ومن دون سبب، وعليه فإن إجراءات الطلاق سريعة وسهلة جدا بالنسبة للرجل (أسهل من شرب الماء)، بعكس المرأة عندما تطلب الخلع! فالطلاق لا يتم إلا في أضيق الحدود، ولا يكون إلا في المحاكم القضائية، فالطلاق حق مطلق للرجل دون المرأة عند الفقهاء، ففي الماضي كان الرجل هو «السيد المطلق، والمرأة هي العبد المطيع لسيده دون أن يكون لها الحق في الاعتراض على ظلم لحقها منه، ولذلك كان الطلاق من حق الرجل وحده»، وبالتالي فإن تسهيل الطلاق وتعدد الزوجات قد يكون مبررا للتمتع الجنسي بالتنقل بين النساء!.

والمجتمع بشكل عام يتأثر بأقوال دعاة الدين في الزواج والطلاق، وهذه الأقوال في الغالب تكون متأثرة بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، وربما تأثرت أيضاً بثقافات أخرى تنظر إلى المرأة بنظرة دون وأقل من الرجل، مع أن الإسلام يقرر حق الطلاق للمرأة تماماً مثل الرجل لا فرق بينهما، ومسألة «الخلع» هي في الحقيقة اجتهاد فقهي قديم وليس من ثوابت الدين أو مسلماته، وليس هذا وحسب، بل إن المرأة لا تعيد للرجل مهره إذا أفضى إليها وأفضت إليه حتى لو كان ليوم واحد، ولو أن الرجل طلق المرأة قبل أن يدخل بها، فله فقط حق استرجاع نصف المهر.

قد يقول قائل: «ليس من العدل أن يكون الزوج قائما بكل حقوقه وموفرا لها كل متطلباتها ومر على عقدهما شهران ويفسخ نكاحها بدون عِوَض، بحجة أنها كارهة له، فهنا إجحاف وظلم للرجل، خصوصا إذا لم يكن هناك أي سوء معاملة من قبله»، بالإضافة إلى أنه لو أعطي للمرأة حق الطلاق مثل الرجل فيكون ذلك باباً لزيادة حالات الطلاق في المجتمع.

قبل الرد على الاعتراض السابق، يجب القول إن مهر وصداق الزوجة «يختلف من مجتمع إلى آخر، فبعض المجتمعات يكون الهدف من المهر هو استعداد الزوجة لتكوين بيت العائلة، فالمرأة قد تشارك بأثاث المنزل ومستلزماته، وربما دفعت أكثر من مهرها في سبيل ذلك، وفي المجتمعات الأخرى، تدفع المرأة المهر وليس الرجل، والبعض الآخر يرى أن المهر مقابل مادي لقبول الزوجة الزواج بذلك الرجل، وآخرون يرون أنه عبارة عن هدية بلا عوض وعن طيب خاطر، وبناءً على ذلك فإن المجتمع يواجه إشكالية في تحديد الهدف من المهر بالرغم من أنه عادة اجتماعية، ولهذا يجب إعادة النظر في المهر بحيث لا يكون أداة لظلم المرأة، وإنما من أجل المشاركة في تكوين الحياة الأسرية بين المرأة والرجل.

أما بالنسبة لمسألة إعطاء حق الطلاق للمرأة تماماً مثل الرجل وبلا عوض بأن ذلك سيفتح باباً أوسع لزيادة حالات الطلاق، فهذا بسبب عدم تقنين إجراءات الطلاق الموجودة في الإسلام، وليس بسبب إعطاء الحق للمرأة، ففي القرآن الكريم هناك إجراءات متعددة للطلاق وترتيب معين وليست بهذه السهولة التي يراها بعض الفقهاء، ومن هذه الإجراءات: الإصلاح بين الزوجين للتقريب بينهما ومحاولة حل مشاكلهما، والتربص، وحماية الزوجين من الضرر، والحقوق المالية للزوجين.. إلخ، يقول الله، عزّ وجل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) سورة النساء الآية 35، ثم يأتي الطلاق كحل أخير للمشاكل بعد تطبيق هذه الإجراءات، لذا هناك حاجة إلى وجود قوانين رادعة وضابطة لعملية الطلاق، وتقييده إلى أبعد الحدود في ضوء تعاليم القرآن الكريم، وهذا ما نسميه بالزواج المدني.