منذ ولادة توصية مجلس الشورى الموقر، قبل ما يقرب الشهر، حول تجنيس أبناء السعوديات المتزوجات من شخص أجنبي، ونحن نعيش على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة شهرا ساخنا من إذكاء جمرة العنصرية والنفخ في نار التمييز. وبدلا من أن يتحول الجدل حول التوصية من رأي إلى رأي آخر مضاد فقد كشفت، ولله الحمد، أسوأ ما في عوراتنا الطبقية، قلت الحمد لله لأنني أكره الأمراض المستترة، وأعشق أن تظهر إلى العلن حتى نستطيع بدء مرحلة العلاج.

نسبة قليلة من أبناء هذا البلد هم من لم يشعروا طوال حياتهم بوطأة التمييز العنصري، ولها بكل صراحة أشكال مختلفة، منها مرجعية الطائفة، أو جذر الإقليم، أو أصول العرق والدم، ولكم أن تكملوا البقية. سأروي للتاريخ قصة شخصية خاصة. قبل أن تولد هذه (الوطن) قدّمني زميل بعثة سابق وأستاذ جامعة يومها إلى أحد أهم رؤساء تحرير واحدة من أعرق الصحف السعودية، واجتمعنا الثلاثة في مكتبه، ولا زلت أتذكر توصية صديقي أمام ذلك الصحافي العملاق، وهو يقول له: لقد أهديتك كاتبا مطبوعا وجاهزا بأدواته المعرفية والتحليلية. هي ساعة ابتسامات ودعوى وفي نهاية الأسبوع اتصل بي صاحبي ينقل الاعتذار الهش بأن الصحيفة لا تحظى بتوزيع مقبول في مناطق الجنوب، وعليه لا حاجة لها بكاتب من تلك المنطقة.

الخلاصة، إن التمييز والعنصرية فطرتان غرائزيتان قَلّ أن تتخلص منهما الأنفس أو المجتمعات. هذا حقهم الشخصي الخاص، ولكن نظل في حاجة إلى قوانين وأنظمة صارمة تفصل ما بين مكنون الفرد وحق الآخر. كن عنصريا ضدي كما شئت، ولكن توقف عندما تصل العنصرية إلى الوظيفة والكفاءة وحقي الطبيعي في المنافسة الشريفة تحت سقف المواطنة. نحن نستطيع أن نبني سلما لأقصى درجات العنصرية وطأة واحدة تلو الأخرى، ومع هذا سيظل التمييز الوظيفي، بحسب ألوان العيون وفصائل الدم، هو العنصرية القاتلة التي أهدرت علينا آلاف الكفاءات، وجاءت بالأسوأ إلى المكان الصحيح.