«إذا أردت السلام فاستعد للحرب» بابليوس فلافيوس فيجيتوس كاتب الإمبراطورية الرومانية.

السعودية من أكثر الدول في العالم إنفاقا على الدفاع والسلاح، وتأتي في المرتبة الثالثة أو الرابعة عالميا في الميزانية الدفاعية، بل إنها تسبق دولا كبرى كفرنسا وبريطانيا، في المقابل أقل من 5% وحتى أقل من ذلك وربما يصل إلى 2% في بعض الأحيان ينتج محليا! أي أن الغالبية العظمى من السلاح والميزانية الدفاعية تذهب للخارج ولا يستفيد منها الوطن والصناعة الوطنية بالشكل المطلوب.

طبعا غير أن هذا يعتبر خروجا كبيرا للأموال خارج البلد هناك محاذير على الأمن الوطني، وهذا قد يعرض أمن الوطن للابتزاز أثناء الأزمات، فالبلد الذي لا يصنع أغلب سلاحه بيده سيكون عرضة للمساومات وأيضا قطع السلاح عندما يحتاجه بشدة.

على الصعيد الاقتصادي مئات المليارات التي تصرف على الدفاع قادرة على إيجاد فرص عمل لعشرات آلاف من السعوديين بأجور ممتازة إذا صرفت داخل البلد.

كانت السعودية من أوائل دول المنطقة التي أسست برنامج التوازن الاقتصادي أو ما يعرف بـ(الأوفست)، لكن للأسف لم يفعل بالشكل المطلوب بل تم إيجاد مشاريع بعيدة كل البعد عن نقل التقنية العسكرية! مما جعل دول المنطقة الأخرى تتقدم علينا في نقل التقنية والصناعة الدفاعية.

لنتفق على شيء وهو معروف للجميع، شركات الدفاع والسلاح لن تبادر من نفسها وتنقل مصانعها أو حتى جزء منها للبلد، لأنها تريد الاستفادة القصوى من البلد بأعلى الأسعار، ما لم يكن هناك حزم في نقل التقنية، وكان هذا الحزم مفقود، لكن مع السياسة السعودية الجديدة والحزم في كل المجالات وضعت المملكة بتوجيه وتخطيط من ولي العهد أن تكون نسبة التصنيع المحلي 50%.

معرض افد 2018 الذي أقيم في الرياض قبل أسابيع كان إحدى المبادرات المهمة لدعم التصنيع العسكري المحلي، وهو في نسخته الثانية مميز، وقد سنحت لي الفرصة لزيارته، وخرجت ببعض الانطباعات، ولست هنا في مجال مدح أو انتقاد المعرض بقدر ما أشرح ما رأيته من إيجابي وسلبي بدون محاباة أو انتقاص.

خلال سنوات وأنا أزور معارض الدفاع والسلاح حول العالم مما كون لدي بعض الخبرة في التنظيم، فأستطيع القول إن معرض افد 2018 تحسن بشكل ملحوظ عن النسخة السابقة وهناك تطور كبير في الكم والكيف، لكنه يبقى معرضا وليدا، وعمره قصير، لذلك لم يصل بعد إلى مرحلة النضج المطلوب في المعارض العالمية الكبرى، ونتمنى أن يكون في تحسن مستمر في السنوات القادمة.

من أفضل الأشياء التي سعدت بها وجود شباب سعودي في أغلب الشركات الدفاعية السعودية، وكانوا متمكنين من مشاريعهم وشرحهم ومعرفتهم وافية، كما أن هناك مشاريع مستقبلية مشجعة جدا وجوهرية، تحتاج الدعم والتشجيع، لأنه سابقا للأسف الرؤية عند الأصدقاء في وزارة الدفاع للصناعة الوطنية لم تكن بالشكل المطلوب، وربما المواصفات والجودة لم تكن بما يرتقي لمواصفات الوزارة، أما الآن فقد تحسن الوضع جذريا، وهذا ما لمسته من حديث الشركات الوطنية.

للأسف هناك استثناء، تفاجأت بالخلفية العسكرية الضعيفة لموظفي شركة سامي (الشركة السعودية للصناعات العسكرية) رغم أن الآمال معقودة بقوة عليهم، لكن ربما نحاول أن نجد لهم عذرا بأنهم شركة جديدة ووليدة، لكن اختيار موظفين يمثلون الشركة لديهم معرفة شيء مطلوب!

الملاحظ أيضا أن الشركات الأميركية يكون الموظفون السعوديون فيها أكثر إلمام وقدرة ومعرفة بالشؤون الدفاعية والصناعية والتسليح والبرامج، بينما في الشركات الدفاعية الأوروبية وخصوصا الشركات الكبرى فإن مستوى المهندسين السعوديين ليس بالشكل المطلوب وهذا لاحظته في أكثر من معرض، وعندما يظهر ضعف المعلومات يغيرون الموضوع مع أنها معلومات عامة منشورة.

الملاحظ وبقوة أن الشركات العالمية ترسل أضعف موظفيها للمنطقة، قابلت بعض الموظفين في شركة كبرى لا يعرفون حتى برامج شركاتهم المعلنة أو تسليحها، والمشكلة المعاندة في الجهل لدرجة أنك تصل مرحلة تشفق عليهم وتحاول أن تنهي النقاش وتشعرهم أنهم على حق، لأنه جدل عقيم ولا تريد أن تضيع وقتك فيه، لكن أغرب ما في المعرض موظف شركة كبرى لا يعرف معلومة عامة ربما يعرفها طالب مدرسة، المشكلة أنها مكتوبة خلفه، قد قابلت مدير الشركة سابقا في أحد المعارض الدولية وكان بنكا من المعرفة، لو علم بمستوى موظفيه لما أرسلهم، وللأسف كثير من موظفي الشركات الذين أرسلوا للمعرض يشبهون شريطية معارض السيارات، كلام دون علم أو معرفة، نأمل أن تتأكد الشركات الدفاعية من مستوى من ترسل في المعارض القادمة!

هناك قاعدة ترسخت لدى الكثير من الذين يعرفون الصناعة الدفاعية «الأميركيين من أبخل الناس في نقل التقنية بداية وفي المفاوضات لكن عندما يوعدون بشيء من نقل التقنية ينفذونه (أي أن العقد عقد محترم)، أما أغلب الشركات الأوروبية فهم من أكثر الناس سهولة في بيع الكلام في المفاوضات لكن بعد توقيع العقود يحاولون إيجاد ألف سبب وسبب للمراوغة، وعند التنفيذ ونقل التكنولوجيا الدفاعية. والأمثلة كثيرة، لكن لكل قاعدة استثناء فلا يجوز التعميم.

المحصلة العامة، أنا سعيد جدا بالمعرض وتطوره الكبير خلال فترة قصيرة نسبيا، وسعيد أكثر بالشباب السعودي العامل خصوصا في الشركات الدفاعية الوطنية وبعض الشركات الأجنبية، لكن آمل وبقوة مراجعة الموظفين الأجانب في الشركات الكبرى، فنحن من أكبر أسواق السلاح بالعالم، ونستحق أفضل الموظفين ولا نفضل الرجيع والضعفاء مهنيا.