مثل عشرات الأطفال المثقلين بوطأة القدر والظروف، يأتي «س» من أقصى الغور التهامي إلى جمعية الأطفال المعاقين بقرب مطار أبها لجلسات العلاج الطبيعي والتأهيل الحركي. جمعية خيرية بنيت بمبادرة من سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز وفاء وبراً بوالدته المرحومة، سلطانة بنت أحمد السديري، حرم خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله. أمام اللوحة التذكارية في مدخل الجمعية، تشعر فعلاً بجمال الخريطة الوطنية لأسماء المتبرعين الذين ساهموا بأموالهم مع صاحب الفكرة، وقد ضمت الأسماء طيفاً وطنياً واسعاً من كل بوصلة الوطن ومناطقه المختلفة. والحق أنني ترددت كثيراً جداً في إجابة دعوة الأخ الكريم عبدالله المحيسني، مشرف الدار، ذاك أنني نفس مهزومة لا تقوى على الوقوف أمام أطفال الحاجة، أو الأيتام أو قصص الأسر المسحوقة. لكنني خرجت من هذه الدار وأنا أكثر انتصاراً وأملاً.

أولاً: هزمت قناعاتي الخاطئة الكاذبة من أن الطفل المعاق فكرياً أو جسدياً لن يحصد خطوات محسوسة من تطوره التعليمي أو الذهني. أصبت بالدهشة وأنا أشاهد بعض أعمالهم الفصلية في الرسم وفي القراءة، وكانت نفسي أكثر جمالاً وأنا أستمع لبعض قصصهم في الاستيعاب والقدرة على التحصيل. نحن لا نستطيع أن نقضي على الإعاقة ولكننا نستطيع هزيمة جزء كبير جداً من آثارها العقلية والحركية.

ثانياً: هي دعوة صادقة إلى الأثرياء والقادرين والمحسنين لترتيب أولويات العطاء ودفع أموال الإحسان والزكاة والصدقة. وسأقابل الله سبحانه وتعالى بقناعتي إن قلت إن تأهيل طفل معاق أهم بمراحل كثيرة وأولى من الصرف على مؤلفي القلوب أو بعض مناحي الدعوة أو تحفيظ القرآن الكريم لطفل صحيح سليم.

للأطفال المعاقين قصص مؤلمة جداً تصل في أحيان كثيرة إلى الطلاق وفراق الوالدين، وقد استمعت إلى بعض المحزن المبكي فيها، إما حين يتناوب الوالدان تهمة ولادة الإعاقة من أحدهما أو حتى الضنك من الحياة الأسرية مع طفل مصاب بنوع من الإعاقة. عطاؤكم سيجعل من حياة هؤلاء الأطفال أكثر حياة وأملاً وسيصنع الفارق في معاناة أسرهم المكلومة.