حكمت أقدار التاريخ مع تحالف الجغرافيا على سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن يصل إلى العاصمة الأميركية قادما من الشرق الأوسط. تلك المنطقة المنكوبة التي بقيت بالتقريب وحدها نشازا دمويا على الخريطة الكونية. وحين شاهدته بالأمس يدلف إلى داخل البيت الأبيض شعرت بالأسى والحزن الشديد على هذا الجزء الباقي في قلب العالم. هنا سيكون لملفات الحروب والسياسة النصيب الأكبر من اللقاء على حساب ملفات الاقتصاد والشراكات التجارية. وبالطبع، لا يستطيع هذا الأمير الشاب أن يسحب أديم بلده إلى منطقة آمنة معزولة في قلب المحيط الهندي أو حتى الهادئ كي يهرب بنا من محيط الجحيم الشرق أوسطي. ودائما ما أقول إن على السعودية الجديدة أن تفكر في الداخل، وأن تلتفت إلى مصالحها، وأن ترمي قضايا العرب المفتعلة إلى ما وراء ظهرها، ثم أردد بكل ثقة: نحن الدولة الوحيدة في هذا الجزء من العالم التي تستطيع أن تقف وحدها دون الحاجة لأحد.

والخبر السار أن محمد بن سلمان لم يجعل من البيت الأبيض ومن واشنطن محطة زيارة وحيدة. سيذهب بعدها إلى سبع مدن أميركية، وواضح من الجدول ومن خريطة الزيارة أنها مخصصة وبالكامل لقضايا وطنه وشعبه الاقتصادية والثقافية الخالصة. إلى بوسطن عاصمة العلم العالمي، وإلى نيويورك تفاحة المال، ومن ثم إلى لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، حيث كاليفورنيا خمس اقتصاد العالم بأسره. سيغادر منها إلى الشمال حيث سياتل، عاصمة التكنولوجيا الأولى ومصنع ثورة المعلومات، ثم ينتهي إلى هيوستن، عاصمة النفط ومهد ثورته الصناعية. ولمن يعرف أميركا جيدا، بل لكل من يعرف العالم بأسره، سيدرك أن هذه المدن السبع هي العواصم المحركة للدنيا، وكل مدينة منها هي الأم لنشاطها بالتخصص. جدول الزيارة التاريخية يقول إن سمو ولي العهد قد أدرك أن دهاليز السياسة التي فرض علينا مواجهتها لن تسحب من بين أيدينا ملفات اقتصادية لدولة في قلب نادي العشرين، ولاقتصاد سعودي له الكلمة العليا في صناديق النقد الدولي وبنوكه. جدول الزيارة فيه كثافة هائلة من الاقتصاد، وشيء قليل من السياسة. هذا ما يفعله القادة الحقيقيون لشعوبهم.