إذا وضعت مجموعة من أطفالك داخل شقة مغلقة، وقلت لأحدهم: لقد اخترتك قائدا عليهم، لكن يمنع أن تطرق الباب الخارجي حتى لطلب المساعدة، يمنع أن تغير ترتيب الشقة، لا تسمح بأي مناوشات بين الأطفال، والتزم العدل، وتحل بالحلم، وتسلح بالصبر، وحافظ على نظام الشقة وهدوء المكان، وسلامة الأطفال، وسلامة الممتلكات، ولب طلبات الأطفال، لكن في حدود إمكانيات الشقة، ودون الاستعانة بأي طرف خارجي، حافظ على الانضباط، وكن يقظا كل الوقت..و..و...و..

بعد ساعة سأعود وأرى..

ثم تعود بعد ساعة.. إذا كان الأمر على ما يرام فتحت الباب، ومر الأمر بسلام دون أن تكلف نفسك أن ترمي بكلمة شكرا أو أحسنت أو حتى نظرة امتنان وإعجاب، وكيف يكون ذلك وأنت من شرفه بهذا المنصب العظيم وأنت من تفضل عليه بهذه الثقة الكبيرة!

أما إذا حدث مخالفات فإنك ستبادر بتوبيخ الطفل القائد، وربما عقابه متغاضيا عن بقية الأفراد، متجاهلا الظروف المحيطة، بل ومهمشا جميع المجهودات التي قام بها، والتي مسحتها هفوة واحدة وألغاها خطأ صغير.

في اعتقادي أن هذه صورة مصغرة، ومثال مقرب لوضع المدير في مدارسنا.

مدير المدرسة.. لا أعلم ما هي الصلاحيات الإضافية التي منحتها له الوزارة ليصبح قائدا..!؟

القيادة قيمة كبيرة ينبغي حين يحملها أحدهم أن يكون شخصية متفردة شجاعة مؤثرة وصانعة قرار، وأن يمنح جميع الصلاحيات التي تخوله فعل ذلك.. الأمر الذي يتنافى تماما مع الوضع الحالي للمدير.

فالمدير مكبل بعشرات الأنظمة والقوانين الوزارية التي تجعله مجرد موظف ينفذ الأوامر بحذافيرها، ويتعرض للمساءلة في حال مخالفة أي جزئية صغيرة منها.

المدير يقع بين مطرقة رؤسائه وسندان مرؤوسيه، وبرأيي فهو المقصود بقول يزيد بن معاوية:

إن يحسدوني على موتي فوا أسفا

حتى على الموت لا أخلو من الحسد

 فعلى كثرة الضغوطات النفسية الرهيبة التي يتعرض لها المدير يوميا فإنه لا يحظى بتعاطف المحيطين بصفته متسيدا المشهد اليومي في المدرسة، ومعفى من الحصص الثقيلة، وحصص النشاط المملة، وحصص الانتظار القاتلة.

وتجد أولياء الأمور بالمرصاد عند أول خطأ، وتهديدهم مستمر بالإشراف والوزارة، والمدير دائما في الواجهة يتلقى زجاجه الرقيق حجارة المتربصين والعابرين القاصدين وغير القاصدين على حد سواء.

يذكر أن المدير لا يحظى بأي مميزات عن بقية المعلمين، سواء كانت مميزات مادية أو اعتبارية، ومسمى وظيفته في النظام معلم، وإجازته الاضطرارية خمسة أيام ككل معلم، ولا يحظى بأي حوافز كما هو الحال للمرشد ورائد النشاط ومعلم الصف الأول وغيرهم...علما بأن المدير هو الشخص الوحيد في المدرسة الذي يحارب على عدة جبهات، فإذا كان مكتب الإشراف يرزح تحت تعاليم وأنظمة الوزارة، والمعلم مشتت بين الطلاب والمشرفين.. والطالب يشتكي من أساليب المعلمين وضغوطات الأهل، فإن المدير يعيش في دوامة يومية بين هؤلاء مجتمعين، بالإضافة إلى مشاكله الشخصية وظروفه الخاصة.

وإذا كان هذا حال المدير فإن معاناة المديرة أكبر وأعمق، فإدارة المجتمعات النسائية أمر صعب ومعقد، ويعجز عنه عتاولة الرجال لاعتبارات خاصة نعرفها نحن النساء، تحتاج المديرة إلى عدد أصابعها عقولا لكي تواجه لوائح الوزارة، وبرامج الإدارات، وطلبات المكاتب، وتأخر الميزانية.

أما لكي ترضي طاقمها الإداري والفني، وجموع الطالبات وأولياء أمورهن من آباء وأمهات فهي تحتاج قلوبا بعدد شعر رأسها.

لكن ذلك لا يمنع عند مروري بالمديرة وهي جالسة على مكتبها وأنا متوجهة لحصتي السابعة أن أقول: يا حظها!