إبراهيم نيازي



بلدة «رُجال» ارتسمت في جبينها صور الحزن، وتسللت الدموع إلى صدوع الأبواب، وقامات السنابل ومطلات تهامة وأوديتها، وكل مساحات الوطن.

ثلاثة عقود وأكثر وذاك الفتى الألمعي بجسده النحيل يصنع الحياة ويزرع الأمل... إنه من المشائين بخطى واثقة وطموح وثاب، كمواسم المطر أثرا واخضرارا وبهجة.

كان يتوقف كثيرا عند قرى عسير، سراة وتهامة، ويستمد أحلامه من طرزها المعمارية وصباحاتها المغسولة بالطل، وعبق نباتاتها العطرية، ومراعيها وثمائلها، يحدوه الأمل لتعود هذه الكنوز التراثية في يوم من الأيام تعج بالحياة. إبراهيم بن أحمد مسفر الألمعي، قامة وطنية لها إنجازات ومواقف في الكثير من المجالات التراثية والسياحية والتعليمية.

رحل عنا بصمت.. تماما مثلما كان في حياته معطاء كريما بأفكاره وتضحياته على أرض الواقع، وهي الناطقة عنه ليسهر الناس جراها ويختصموا.. لكنه خصام الانبهار والتعجب والرضا.

أتيته -رحمه الله- إلى منزله ذات مساء، وتطرق الحديث إلى مواضيع مختلفة، قلت له: «إني مشفق عليك من الترحال والاجتماعات واللجان لا بد أن ترتاح».

قال لي: «إن الحياة ترحال والعمل الخلاق عبادة خاصة إذا كانت القناعة موجودة لأداء الواجب للوطن والمجتمع، ولا يعلم الإنسان أين تلقي به عصا التسيار».

رأيته في جميع المناسبات الكبيرة التي شهدتها منطقة عسير في العقود الماضية بحكم عملي في التلفزيون ووكالة الأنباء. كان شعلة من النشاط.. لديه قدرة عجيبة على التحمل والصبر وتقديم الأفكار الجديدة والبناءة مما أكسبه خبرات متعددة وحاز على ثقة المسؤولين.

إبراهيم مسفر بلحافه وابتسامته وأصالته جمع فيها تراثا خالدا كادت الأيام أن تدفنه، وأضحت «رُجال» اليوم معلما حضاريا عالميا يشار إليه بالبنان.