محمد الربيع



تتشكل قوى المجتمعات عادة من خلال «العقول المفكرة» التي تسهم في خلق بيئة قادرة على تحقيق تطلعات أفرادها وخدمتهم بطرق شتى، بدأت من محاولات الإنسان الأولى لإيجاد «ظروف حياتية مناسبة»، حتى وصل إلى طرق مخططة ومنسقة لتحسين مستوى المعيشة والاستمتاع بمستوى أعلى من الرفاهية.

غير أن غايات الإنسان وتطلعاته لا ترتبط فقط بما يتعلق بمتطلبات الحياة ورفاهيتها، وإنما أيضاً بالطرق والأساليب المختلفة التي يحقق من خلالها تلك المتطلبات الحياتية ويحقق الغاية منها؛ ونعني هنا شغفه للابتكار ولصناعة نوعية حياة قائمة على «الجديد» والمبتكر والمفيد، قائمة على تجاوز المشكلات وإيجاد الحلول وتطويرها، وقائمة أيضاً على إحداث تغييرات مجتمعية حياتية جذرية على كل من المستوى المادي والمستوى الفكري.

بالرغم مما وصل إليه إنسان اليوم من ابتكارات ملحوظة ساهمت في تطوير نمط الحياة اليومي، إلا أن الابتكار (كقدرة) يتطلب من الفرد قدرا من الوعي الذي يساهم في استخدام الإنسان للتفكير الناقد، والتعاون المبنى على المنافسة الصحية، والمقدرة الجيدة على النظر للأمور من زوايا مختلفة، مع إيجاد حلول ابتكارية مبنية على حب المعرفة والوصول لما هو مختلف ومفيد، وهذا بدوره يستدعي شخصية تتسم بالثقة والحس الإيجابي والذكي نحو مفردات ومكونات البيئة التي من الممكن أن تصبح مادة للابتكار وتساهم في صناعته.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن شخصية المبتكر هي المحور الرئيس في منظومة الابتكار، إذ إن هذه الشخصية هي حصيلة لنمط التربية الأسرية وما يتعلق بها من أساليب معاملة والديه، تتم بتدعيم الثقة وحس الاعتمادية لدى الفرد، إلى أساليب التعلم الحر الذي يخلق التفكير الناقد ويوفر بيئة رحبة للإبداع، والجانب المجتمعي الداعم والمحفز الذي يساهم في تكوين نمط تلك الشخصية، ويرى فيما ينتجه المبتكر أملا في حاضر ومستقبلا مختلفا، هذه العناصر مجتمعة تمنح المبتكر جاهزية عالية للاكتشاف والابتكار، هذه الجاهزية هي المسؤولية الفعلية للأسرة، مؤسسات التعليم، وتشجيع المجتمع.

واليوم يأتي مفهوم الابتكار كعامل مهم ورئيس في ظل كل هذه التغيرات المختلفة والجذرية التي يشهدها المشهد الحياتي العام لمجتمع المملكة العربية السعودية، فالمجتمع السعودي في ظل هذه التغييرات أقدم وبجراءة في طرح صورة مغايرة تماماً عما كان عليه من الموروث والمسلم به على امتداد العقود الماضية؛ نحن نرى الآن رؤية وطن واضحة نحو التغيير سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى الاجتماعي، لكن هذا التغيير يحتاج أن تكون له آلية صمود قائمة على تطويره، وإضافة إسهامات جديدة وابتكارية إليه تسمح بتقديمه بطريقة مناسبة وداعمة لثقافة المجتمع السعودي وقيمه. إن حاجة المجتمع السعودي لتفعيل مفهوم وأساليب الابتكار في تفاصيل الحياة اليومية، للمساهمة في توفير حياة مختلفة وفاعلة للمواطن، المواطن الذي أدرك حاجته للتغيير وأيضاً حاجته الأشد للتغيير المختلف غير التقليدي.

ومن هنا تأتي أهمية دور الجامعات في بناء ونمو بيئة الاختراع والابتكار من خلال المعرفة العلمية، وتكوين أودية تقنية وحاضنات أعمال تسهم في تطوير القدرات الطلابية، وتشجيع رواد الأعمال وتحفيزهم، ودعم البحث العلمي واستثمار نتائجه، وتعزيز قدرة الجامعة على ريادة الأعمال وصناعة المعرفة، وإقامة مشروعات تجارية لمخرجاتها المبتكرة، والاستفادة من الأبحاث العملية وربطها بقطاع الأعمال والصناعة، وتحويل مخترعاتها وأفكارها إلى المجتمع.