أجواء مفعمة بالأمل والترقب، تلك التي تلفّ وطننا الغالي المملكة العربية السعودية منذ بضعة أسابيع، عندما بدأ ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان، جولته العالمية التي بدأت بالعاصمة البريطانية لندن وحطت رحالها مؤخرا في العاصمة الأميركية.

وهي زيارات تكتسب أهمية كبرى لأسباب سياسية واقتصادية، محلية ودولية وإقليمية، فلهذه الدول الثلاث: المملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، مكانتها العالمية والإقليمية على كل الأصعدة.

تعاونهم جميعا مهم في هذه المرحلة، لا سيما مع تزايد التوتر في منطقة الشرق الأوسط، ووجود جبهات حرب مفتوحة في كل من سورية واليمن، وعدم استقرار كامل في دول أخرى. كما أن الوضع في فلسطين المحتلة ما يزال على حاله السيئ.

فالفلسطينيون محاصرون في غزة، وعملية السلام متوقفة، والعبث الإيراني ومحاولة زعزعة أمر المنطقة يزدادان فداحة ولؤما.

ولذلك، فلا شك أن السعودية -كعادتها- تحمل هموم العرب ومشكلاتهم على أكتافها، فلا شك أن الجانب السياسي سيكون حاضرا في أي حوارات ولقاءات لحكومة خادم الحرمين الشريفين مع الأطراف المؤثرة دوليا، على رأسها حكومة الولايات المتحدة الأميركية. والتي نأمل أن تنتج عنها حلحلة لكثير من الملفات الساخنة، مثل الملف السوري، والملف الفلسطيني، وملف الأزمة الخليجية، وملف التهديد الإيراني المستمر منذ سقوط نظام الشاه قبل 40 سنة، والذي أنهك المنطقة وجعلها تخسر كثيرا من أمنها واقتصادها.

وعلى الصعيد الداخلي، فإن النواحي الاقتصادية والعلمية والبحثية والثقافية من الزيارة التي تمتد أسبوعين، كانت محل اهتمام أكبر من الشعب السعودي الذي سرّه أن يقرأ عن أوجه التعاون التي تم الحديث بشأنها، ومذكرات التفاهم والتبادل التي تم توقيعها، وذلك في عدة ولايات كبرى ومؤثرة، ومع مؤسسات علمية عريقة، كجامعتي هارفارد، وMIT، وشركة IBM الضخمة، وشبكة CBS الإخبارية، ولقاء سموه والوفد المرافق له عددا كبيرا من المديرين التنفيذيين لأهم شركات التقنية العالمية.

إن أهمية هذه الزيارات والاتفاقيات، تنبع من كونها تصب في اتجاه نقل الخبرات الأميركية الضرورية إلى المملكة، وتدريب وتأهيل الشباب السعودي ليبني وطنا ناهضا.

فكثيرا ما كان بعض رجال الأعمال يبررون عدم توظيفهم الشباب السعودي في القطاع الخاص، بعدم أهلية الشباب أو جاهزيتهم لسوق العمل، وافتقارهم إلى المهارات المطلوبة. فإذا كنا نريد بالفعل إنجاح السعودة، فعلينا السير في خطين متوازيين: سَنّ التنظيمات والقوانين التي تدفع في هذا الاتجاه، ثم مراقبة تنفيذها.

وفي الوقت نفسه، تأهيل المواطن ليقوم بعمله على أكمل وجه، خلال التعليم والابتعاث والتدريب والتبادل المعرفي مع الدول المتقدمة. وهذا ما يقوم به سمو ولي العهد، خاصة عبر مؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الخيرية «مسك الخيرية».

ولعل اللافت إلى النظر، أن جُل هذه الاتفاقيات والبرامج التي اُعتمدت، سواء في الزيارة البريطانية أو الأميركية، تستهدف جيلَيْ الأطفال والشباب من السعوديين والسعوديات، بحيث لا يتخرج هؤلاء سواء من الجامعات المحلية أو الدولية، إلا وفي أيديهم شهادة وخبرة ومهارات، متوائمة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين، وفي رؤوسهم أفكار خلاقة ستنفع بلادهم ومحيطهم وربما العالم.

إن وجود الأمير الشاب محمد بن سلمان، في منصب ولاية العهد، ونائب مجلس الوزراء، يجعله الشخص القادر على رسم ملامح السنوات المقبلة لجيل المستقبل في المملكة الشابة. فهذا الجيل يحتاج إلى العلم والمعرفة والصحة والرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والأمني، لينشأ محملا بالآمال والأمنيات الكبرى للوطن.

ولأن الجانب الأمني أساسي، ودونه لا تستقر الدول ولا تزهر، فلم تغفل عنه زيارةُ ولي العهد، وقد تم توقيع عدة صفقات واتفاقيات تمس هذا الجانب، وتصب في حماية المملكة من الأطماع الإقليمية والدولية.

ولا أدل على ذلك من أنه، وخلال هذه الزيارة المهمة، تعرضت المملكة العربية السعودية -حماها الله- لهجوم صاروخي غادر من المتمردين الحوثيين في اليمن الشقيق -فك الله أسره وعجّل بانتهاء محنته وهلاك الجماعات المارقة فيه- والتي كانت موجهة صوب عاصمتها الرياض، إلا أن قوة دفاعنا الجوي تمكنت -بفضل من الله تعالى- من التصدي له، ورد كيد العدوان.

وللأسف، تعرض أخ مصري مقيم في الرياض لشظايا هذه الحادثة، ومات متأثرا بجروحه، ونسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته.

الهجوم الأخير على بلادنا، على خسّته، إلا أنه أسهم في توحيد جبهتنا الداخلية أكثر من ذي قبل، فسرعان ما انبرى السعوديون بكل مشاربهم ومناطقهم وأصولهم ومذاهبهم، ليشجبوا بلا تردد هذا العدوان السافر، الذي تقف خلفه قوى إقليمية لا تريد الخير للعرب ولا المسلمين، ولا يهمها سوى تمدد نفوذها. فقد قالها السعوديون بصوت واحد ولهجات متعددة: الوطن ووحدته وأمنه وسلامته خط أحمر.

فهذه الأرض ها هنا لنا، وهذا الوطن الكبير ملكنا جميعا، وسنحميه بأرواحنا، وسنبنيه بعطائنا، لنتمثل في رمز الوطن بسيفيه الصارمين ونخلته الكريمة، لننتج وطنا فيه جيوش من العلماء في كل علم، وجيش عسكري قوي من الرجال الساهرين على أمنه، تقوده قيادة حكمية مدركة أدوارها المحلية والإقليمية والدولية، معتزة بدينها ومقدساتها ومكانتها الإسلامية التي لن يغلبها فيها أحد، فهي القبلة والمحج، وهي بيت الله ومسجد نبيه «صلى الله عليه وسلم».

إنها علاقة تبادلية ذات بُعدين: يحمي فيها الشباب الوطن، ويحمي فيها الوطن شبابه، ويمنحهم فرصتهم في العلم والعمل والحياة الكريمة، فيرد الشباب الجميل بتفانيهم وإخلاصهم ونجاحاتهم وتفوقهم.

حفظ الله بلاد الحرمين من كل سوء، وخاب وخسر كل من أضمر لها شرا وظلما.