يتطلب إنجاز بعض البرامج أو المشاريع شراكة مجتمعية تضم أطرافا مختلفة من القطاعات ذات المهام والمسؤوليات المختلفة التي تكون ذات صلة بالبرنامج بصورة أو بأخرى، فيكون الإنجاز في أفضل صوره، ويتحقق التميز في أحسن منتجاته، ليتولد عنه بناء غني في أهدافه وثري في محتواه المعرفي وتكوينه الهيكلي، وبما يكفل له أسس النجاح العلمية المدروسة ومؤشرات الإنجاز المتوقعة إلى حد كبير، وذلك كنتيجة طبيعية لتلك الشراكة والتعاون المعرفي أيا كان نوعه، وبالمقابل فإن التعاون والتشارك في إنتاج محتوى، بين قطاعات أو جهات لا تتلاءم عطاءاتها ومستواها المعرفي والمهني وغيره من القدرات المطلوبة لإنتاج محتوى متخصص، لن يخدما جودة المحتوى ونوعيته المقصودة، وإنما على النقيض سيكون سببا في فشله ومؤشرا لتعثر مساره وإخفاق مردوده.

وكما أن هناك برامج ومشاريع تتطلب التعاون والمشاركة في الإنجاز، فإنه على الطرف الآخر هناك من البرامج والمشاريع التي تتطلب التخصص، بل والتخصص الدقيق في المسار والمضمون دون شراكة مع أطراف أخرى غير متخصصة، وبذلك يمكن أن يُفرز ذلك التخصص التشاركي، عن منتج معرفي يعكس رؤية متخصصة وعمقا علميا لمنتج يبلور جهودا علمية مدروسة، لما يتطلبه المضمون والمحتوى والهيكل البنائي للمشروع المستهدف، وعليه يمكننا توقع النجاح أو الفشل لما نقدم عليه من برامج ومشاريع أو مبادرات، لأن العلم علمنا أن للنجاح أُسسا وأولويات مبدئية يقتضي الأخذ بها والاستفادة من مضمونها، لأن النجاح لا يأتي صدفة -إلا فيما ندر- ولا يكون اعتباطا، كما وإن الالتزام بتلك الأسس لا شك أنه سيقودنا إلى ما نتوقعه أو ما نتأمله من نتائج إيجابية نرجوها، أما إذا ما تركنا العلم جانبا، وبما يتضمنه من قواعد أساسية في معالجة إشكالية محددة، فإننا نهدر بذلك عقولنا وأموالنا وجهودنا في التعليم، لنسلم مستقبلنا ومستقبل أبنائنا لسياسات عشوائية تهُمش العلم ومتطلباته المعروفة وقواعده الأساسية.

وبالإشارة إلى ما تم نشره إعلاميا منسوبا لوزارة التعليم في الأول من أبريل 2018 حول عزم أكاديمية الحوار للتدريب التابعة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وبالتعاون مع شركة تطوير للخدمات التعليمية وعلى مدى شهر كامل، تنظيم سلسلة من ورش العمل التعليمية تحت عنوان «تطوير الكتب المدرسية»، والتي سيشارك فيها مختصون وخبراء وأكاديميون وعدد من منسوبي التعليم، من مشرفين ومعلمين وطلاب، بالإضافة إلى بعض الجهات الحكومية والأهلية وعدد من مؤسسات المجتمع المختلفة، وذلك للاستفادة من رؤاهم وأفكارهم وأطروحاتهم في تطوير الكتب المدرسية وفقا لرؤية المملكة 2030، وقد استند الخبر إلى أن ذلك سيُسهم في مواكبة تطلعات مسؤولي التعليم وصانعي محتواه، من خلال إشراك جميع شرائح المجتمع والجهات ذات الصلة، بما ينعكس إيجابا على تطوير وجودة الكتب المدرسية لتلبي احتياجات المجتمع وتواكب العصر، وبما يسهم في إعداد المتعلم الإعداد السليم وتطويره للارتقاء بقيمه ومهاراته واتجاهاته وتنمية قدراته وميوله، وبما ينعكس على مخرجات العملية التعليمية، بحيث يمكن الخروج من تلك الورش بأكبر قدر من الرؤى والأفكار والمقترحات والتوصيات التي يمكن بلورتها وصياغتها، بما يسهم في تطوير جودة محتوى الكتب المدرسية وفقا للاتجاهات الحديثة للكتب والمناهج والتغيرات العالمية المستجدة.

وقد تضمن البرنامج ستة محاور تتصل جميعها بتطوير الكتب المدرسية، من حيث التحديات الموجودة والمرتبطة بالمصطلحات والصياغة والمنهجية العلمية والمواصفات الفنية، وشكل الكتاب المدرسي وآليات دعمه وما يحتويه من مضامين رقمية، وما يمكن توفيره من بدائل رقمية، هذا إلى جانب ما يتضمنه من أفكار وعناصر لمحتواه العلمي الملائم، إلى جانب الاهتمام بآليات التواصل المقترحة للتغلب على عوائق وتحديات الكتاب المدرسي، وتنتهي المحاور بالاهتمام بتوفير كتب متخصصة بالتربية الخاصة للتربية السمعية والبصرية.

وحيث إن جميع الكتب المدرسية تمثل محتوى علميا متخصصا في مضمونها المنهجي الأساس، وبما يتضمنه من عناصر ومستهدفات، وما يتعلق به من آليات وأدوات تعليمية مطلوبة، وما يتصل به من إخراج مظهري وشكلي لمحتواه، فإن ذلك جميعه يرتبط بالتخصص العلمي الدقيق لمستهدفات تطوير الكتب المدرسية، إذ تشمل الكتب المدرسية محتوى متنوعا من المعارف العلمية التي يكون امتدادها التخصصي الدقيق، في المرحلة الجامعية التي يتم فيها توزيع الطلاب المقبولين حسب التخصص في الكليات المختلفة، التي تمثل الكيان العلمي الذي يتم فيه تصنيف المخرجات في العلوم المختلفة، ومن تلك المخرجات يكون المعلم والمعلمة والمهندس والطبيب والقانوني والإداري وغيره.

وعليه فإن الجامعات بأعضائها الأكاديميين المتخصصين في العلوم المختلفة التي تمثل المرحلة العليا من التعليم ما بعد المدرسي، بالإضافة إلى نخبة من المعلمين المتمرسين والمتميزين، وما يماثلهم من المشرفين التربويين في التخصصات المختلفة، هم فقط المعنيون بتطوير الكتب المدرسية في جميع مستهدفات التطوير، سواء كان في المحتوى العلمي والمنهجي، أو في أدواته وأساليبه المستحدثة من طرق التدريس وممارساته، وبذلك يسهم الأكاديميون مع النخبة من التعليم العام بحكم قربهم الميداني في تطوير الكتب المدرسية بما يتضمنه جميع محتوى التطوير، وبما يسهم في بناء قاعدة صحيحة للتعليم المدرسي الذي يمثل الحلقة التأهيلية والأولية للتعليم ما قبل الجامعي، ويمكن الاستعانة بمراكز التقنية والإخراج الفني للكتب في ظل خطوط عريضة توجه متطلباته الهامة للجهة المنفذة، من خبراء التخصص والمعنيين به ذاتهم.

أما أن تشارك جميع تلك الجهات والقطاعات الواردة في البيان المعلن حول تطوير الكتب المدرسية من خلال ما تطرحه من رؤى وتوصيات وأفكار يؤخذ بها، فإن ذلك من شأنه أن يبدد الجهود الجادة نحو التطوير الفعلي لمحتوى الكتب المدرسية ومنهاجها، بل ويسهم في انحرافها عن الجادة الصحيحة للتطوير، لأن تطوير الكتب المدرسية هو شأن تخصصي علمي يستلزم تعاون ومشاركة جهات مسؤولة ومتخصصة ومعنية بالتعليم وليس غير ذلك إطلاقا، فالتعليم أمر معروف مجاله وخبراؤه، وذلك مع الأخذ في الاعتبار الاهتمام بالتشكيل النزيه والشفاف للنخبة المكونة للجان تطوير الكتب المدرسية من الأعضاء الأكاديميين من التخصصات المختلفة ومن المعلمين والمشرفين الذين يستحقون تلك المساهمات بعيدا عن الانتقائية المضللة.

صحيح أنه يمكن أن تحقق الشراكة المجتمعية بين قطاعات الوطن ومؤسساته المختلفة الكثير من المنجزات والإبداعات التي لا يمكن أن تكون لولا تلك الشراكات التكاملية والداعمة لجميع أسباب الإنجاز، ولكن تلك الشراكات ليست قاعدة عامة وثابتة يمكن تطبيقها على كافة المشاريع والبرامج، وإنما تخضع لتفصيلات ضمنية في إطارها يجب استيعابها وملاحظتها، إذ تتطلب بعض المشاريع شراكات تعاونية ومساندة من كافة قطاعات ومؤسسات الدولة لتشمل الفائدة جميع الشرائح، في حين تتطلب مشاريع أخرى شراكات بين قطاعات متخصصة بذاتها ومعنية بالمجال علميا ومهنيا، لأن ذلك يشكل البنية التحتية والقاعدة الأساسية للإنجاز الصحيح وفق المعايير العلمية الثابتة معرفيا والموثوقة منهجيا، وبذلك تكون ممكنات النجاح وبوادره المشرقة واضحة في الأفق.