منذ انتصار الثورة الإيرانية ووصول الملالي إلى سدة الحكم ووجه المنطقة قد بدأ في التغير، واتجه نحو العنف والصراعات الطائفية والعمليات الإرهابية وحالة من الجنوح نحو الدمار والخراب. لم يمض عامان حتى أسست إيران ميليشيا حزب الله اللبناني، وما هو إلا عام واحد حتى نشط الحزب في تنفيذ العمليات المسلحة داخل لبنان وخارجها. عمليات إرهابية عدة شهدتها لبنان والكويت آنذاك ارتبطت جميعها بشكل مباشر أو غير مباشر بالنظام الجديد في طهران وذراعه الوليد في الضاحية الجنوبية. وخلال بضع سنوات لاحقة اتسعت رقعة العمليات الإرهابية الإيرانية وزاد عدد أذرع النظام الإيراني الخارجية، من بينها ما يسمى بحزب الله الحجاز، الذي كانت مهمته الرئيسيّة استهداف الأمن السعودي واختراق الداخل عبر عناصر تم تدريبها وتأهيلها على يد قيادات الحرس الثوري. ومع دخول حقبة التسعينات وسّع النظام الإيراني الدائرة الجغرافية لعملياته الإرهابية، فنفذ عمليات في ألمانيا والنمسا وفرنسا والأرجنتين علاوة على استهداف أبراج الخبر في شرق السعودية.

أما المرحلة المفصلية الأخطر في تاريخ العبث الإيراني في المنطقة فقد جاءت بعد الاجتياح الأميركي للعراق وما قامت به واشنطن من إسقاط للنظام وتسريح كامل للقوات المسلحة العراقية، وهدم كافة مقومات الدولة العراقية، وإلى جانب ذلك تسليم دولة أصبحت منهارة تماما، على طبق من فضة، إلى عدو تاريخي لها لم يستطع خلال حرب الثمانية أعوام تحقيق هذا الحلم ليستثمر الفرصة أيّما استثمار.

في عام 1998 قام خامنئي بتعيين قاسم سليماني قائدا لفيلق القدس، الذراع الخارج للحرس الثوري، والذي تكمن مهامه في عمليات خارج حدود الجغرافية الإيرانية، وفي عام 2011، تم وضع هذا القائد العسكري على لائحة العقوبات للولايات المتحدة الأميركية، لكن أيضا سرعان ما تم رفع اسمه من القائمة سرا (قيل مؤقتا) وفقا لتصريحات لمسؤول سابق في السي آي اي الأميركية، بمبررات تتحدث عن حاجة واشنطن لطهران في تلك المرحلة لهذا القرار، لكن هذا الرفع المؤقت استمر إلى تاريخه، ولذا نجد سليماني يتنقل بكل سهولة ويسر وطمأنينة في سورية والعراق ولبنان دون أن يتم التعرض له.

ومع ارتفاع وتيرة الصراعات والأزمات في منطقة الشرق الأوسط وزيادة أعداد الميليشيات المرتبطة بإيران في المنطقة أصدرت الإدارة الأميركية السابقة توجيهات مباشرة لأجهزتها الاستخباراتية والعسكرية بعدم التحرش بالميليشيات الإيرانية أو الاشتباك معها، وكان المبرر أن الحرس الثوري والجماعات التابعة له تستطيع إلحاق الضرر بالمصالح الأميركية حول العالم بكل سهولة، ولهذا يجب تجنب التصعيد معها!!

ويبدو أن هذه النظرة لا تزال تسيطر على العقلية الأمنية والسياسية في واشنطن والعواصم الأوروبية أيضا، الأمر الذي أدركته طهران وأخذت توسع من عملياتها حتى وصل الوضع لما هو عليه الآن في العراق وسورية واليمن ولبنان. وهنا فالسؤال المطروح هل هذه المبررات دقيقة؟ في نظري أن استهداف العناصر الإيرانية في المنطقة قد يقود لردة فعل إيرانية، وفِي الغالب ستكون محدودة، ولن تقدم على خطوات تهدد أمن الملاحة البحرية وتدفق النفط أو استهداف مواقع حيوية في المنطقة، حتى لا تستثير غضب العالم ومن ثم تكون المبررات الخارجية للمزيد من العمليات ضد إيران أكثر قبولا وأشد ضراوة، وبخاصة في ظل الأجواء التي تعيشها المنطقة حاليا. ولكن ماذا عن الميليشيات الإيرانية المنتشرة في سورية والعراق ولبنان واليمن؟ شخصيا أعتقد أن هذه الميليشيات لن تُقدِم على أي عمل حقيقي من أجل الدفاع عن إيران، لأنها تدرك جيدا أن الثمن الذي ستدفعه سيكون باهظا وربما وجوديا، وأن طهران لن تتحرك للدفاع عنها. لذا من غير المستبعد أن تسعى تلك الميليشيات إلى حل نفسها والذوبان في المجتمعات المحلية أو العودة لديارها وبخاصة الميليشيات الأفغانية والباكستانية. أيضا قد تقرأ تلك الميليشيات أي تحرك عسكري دولي أو أميركي فقط ضد الحرس الثوري الإيراني في الخارج، وفِي ظل ارتفاع وتيرة الغضب الشعبي في الداخل الإيراني، جراء تردي الأوضاع المعيشية، هناك مؤشر كبير لقرب انهيار النظام القائم في طهران، وبالتالي من المتوقع تجنب تلك الميليشيات قرار رهن حياتها بمصير نظام الولي الفقيه.

كل هذا يحتاج إلى خطوة أولية قد يراها البعض رمزية ولكنها جوهرية ومفصلية للغاية، تتمثل هذه الخطوة في تصنيف الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له كمنظمات إرهابية، ويتم تغيير مسمى التحالف الدولي الراهن ضد داعش إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بشكل عام، على ألا يتم تغيير مسرح العمليات الحالي. وبدون هذه الخطوة الإجرائية فإن الخطر سيتعاظم والدائرة ستتسع وسيصعب حينها السيطرة على الأوضاع، وقد يقود الأمر إلى حرب إقليمية طاحنة لا يمكن التنبؤ بنتائجها أو دائرة عملياتها. ربما قليل من الألم حاليا أفضل من كثيره مستقبلا فهل سيعي العالم ضرورة التحرك سريعا؟!