من المعروف لدى العاملين في ميدان التعليم أن المتعلمين ليسوا على نفس المستوى من القدرات العقلية والاستيعابية، بل بينهم فروق فردية ينبغي مراعاتها عند شرح الدروس وصياغة الأسئلة، ووضع أدوات التقويم المختلفة، هذا بالنسبة للفروق الفردية للمتعلمين الذين لا يعانون من مشاكل في الفهم رغم ما بينهم من فروق في نسبة الذكاء والقدرة على الاستيعاب، وليس من يعانون من مشاكل الاستيعاب وصعوبات التعلم.

وإذا عدنا إلى تعريف الذكاء من حيث التوافق مع البيئة والقدرة على التعلم والقدرة على التفكير والاستجابة وتوجيه السلوك لوجدنا أن من تعريفات الذكاء المتفق عليها عند علماء النفس أنه - كما عرفه سانفورد ورايتسمان - خاصية مستنبطة لسلوك الفرد ثابتة نسبيا، مرتبطة بقدرة الفرد على الاستجابة بنجاح للمشكلات الإدراكية والمعرفية واللفظية. كما عرّفه جودارد، بأنه القدرة على الاستفادة من الخبرات السابقة في حل المشكلات، وعرفه شتيرن، بأنه القدرة على التكيف العقلي مع مشكلات الحياة وظروفها الجديدة.

ولو قلنا إن الطلاب الذين يعانون من صعوبات تعلم ناشئة من قلة نسبة الذكاء والاستيعاب تتبعه صعوبة في الربط والاستنتاج وتحليل وحل المشكلات المختلفة والتعامل مع المواقف، لوجدنا أنه من الخطأ بمكان دمجهم في التعليم مع غيرهم ممن لا يعانون هذه الصعوبات، حتى وإن وجد لهم معلمون متخصصون.

إن دمج طلاب صعوبات التعلم مع غيرهم لم يعد بالفائدة عليهم كما توقع الواضعون لهذه الخطة في المملكة، بل إن مشاهدات الميدان وتجاربه أكدت أن للدمج آثارا سلبية جدا عليهم من الجهتين النفسية، والتحصيلية، فلا نستطيع أن ننكر أن وجودهم في فصل غالبيته طلاب بقدرات طبيعية يؤثر عليهم من الناحية النفسية ويشعرهم بالنقص، وهذا أمر لا يمكننا تجاهله، ومن جانب آخر فإنه مهما حاول المعلم التنويع في طرق التدريس والتوسع والشرح لتصل المعلومة بقدر المستطاع إلى المتعلمين الطبيعيين فإنها لن تصل بشكلها المطلوب إلى ذوي الصعوبات، الذين يحتاجون إلى جهد مضاعف ووسائل أكثر تنوعا، وصبرا ومعاملة أكثر تربوية وإنسانية، لاسيما أن غالبيتهم يعاني تشتت الذهن والانطواء والقلق، والعامل في الميدان اليوم يرى قصورا كبيرا في هذا المجال ابتداء بالتجهيزات الصفية، والوسائل وطرق التدريس وانتهاء بالدمج الذي فوّت عليهم الكثير جدا فضلا عن شعورهم بأنهم تحت ضغط نفسي كونهم فئة محدودة وسط عدد كبير لا يعانون صعوبات.

وعلى هذا فإننا نرى أن من مصلحتهم فصلهم عن غيرهم في فصول مجهزة بكامل التجهيزات المساعدة، وتوفير المعلمين المتخصصين لجميع المواد وتكثيف الخطط وتطبيق طرق التدريس المعمول بها في أميركا والدول الأوروبية، والتي تخصص بالإضافة إلى هذا كله مراقبين ملاصقين للطلاب يتابعون تطورهم، ويسجلون ملاحظاتهم أولا بأول، ويغيرون الخطط وطرائق التدريس بما يتناسب مع كل صعوبة ومرحلة.

إن صعوبات التعلم من أكثر الإعاقات انتشارا، وإذا لم تلتفت الجهات المعنية إلى ذويها التفاتة أكثر جدية فإن ذلك سيؤثر سلبا على مستقبلهم النفسي والأكاديمي، كما أنه سيفوّت عليهم فرصة الإفادة منهم كمواطنين صالحين لهم حق المساهمة في خدمة هذا الوطن.