كل مواطن بيننا يحلم أن تصل الميزانية الهائلة بأطرافها إلى مدخل بيته. كل فرد بيننا يسأل عن حصته من هذه المليارات وهو سؤال مشروع وقد أبرأ ولي الأمر ذمته ووضع الرهان على الطاولة. بين يدي الآن سبع نسخ من شتى الصحف المحلية صبح صدور الميزانية وكل صحيفة تزخر ما بين الغلافين بعشرات من العناوين المبهجة. كل العناوين تتحدث عن الآمال والمشاريع والإقراض. تتحدث عن بناء المدارس والجامعات والطرق والمشافي والمياه وعن كل ما يمكن أن تجده بين دفتي قواميس التنمية. ودعك من عناوين الصحف فالمواطن يسأل عن عنوان واحد بسيط: أين ستكون كل هذه العناوين في نهاية العام المالي الجديد؟ من هو الذي سيضمن أن كل هذه العناوين لم تكن نسخاً كربونية من عناوين لعام قديم مثلما من سيضمن لنا ألا تتكرر ذات العناوين في العام القادم مع مطلع عام مالي جديد؟

ما هي الأسباب الجوهرية التي جعلت من بعض أحلامنا مجرد عناوين؟ ومن الواضح تماماً أن لدينا مشكلة جوهرية في قصة إدارة المشاريع، والحق الذي لا بد أن يكتب بكل وضوح أن قصة المشاريع هي اليوم سؤال المواطن البسيط الذي يقرأ كل عناوين الصحف ثم يلمس فارقاً واضحاً بين صرخة العنوان وبين ما يكون بعده على الواقع. المواطن البسيط باتت لديه قناعة أن كل ما لدينا أو جله لا يتعدى مشاريع عناوين. المشكلة التي ربما لم ينتبه إليها الكثير من قبل أن لب المشكلة يكمن في قصة إدارة المال قبل إدارة المشاريع. ويبدو أننا أمام قصتين: الأولى أننا نفتقد للكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على التصدي لهذه الموازنة الهائلة فذات الكوادر في جل إداراتنا المختلفة التي تدير ميزانية الطفرة هي ذاتها التي كانت تدير زمن الشح، وبذات الآلية والعقلية. الثانية: أننا ندير هذه الطفرة الضخمة بذات الإجراءات المالية والمحاسبية التي كانت سائدة من قبل دون أن ندرك أن ما هو أهم من وجود المال هو القدرة على إدارته. اسألوا تواقيع الصرف والمستخلصات في الشهر الأخير بالتحديد من نهاية العام المالي فهذا الشهر وحده يكشف طبيعة إدارتنا للميزانية.