قبل 29 عاما، أي في 12 مارس عام 1989 ولد الإنترنت وأعلن المهندس البريطاني تيم بيرنرز لي، عن اختراع الشبكة العنكبوتية بوصفها محطة فاصلة في ثورة الانفوميديا. وحدثت تطورات كبرى في هذه الشبكة، التي كان يستخدمها أقل من واحد في المئة من البشر وقت إنشائها. وبات نصف سكان الكوكب يستعينون بها، وبحلول العام 2020 سيكون ثلثا سكان العالم متصلين بالإنترنت.

وثمة فجوات وإخفاقات وسوء استخدام لمنصات الشبكة العنكبوتية تمثلت في عمليات الاختراق والقرصنة. ولذلك طُرحت رزمة أسئلة وإشكاليات تتعلق على نحو خاص بمنصات التواصل الاجتماعي، منها: كيف يمكن استغلال فيسبوك سياسيا؟ وهل تحرك وسائل التواصل الاجتماعي دفة السياسة أم تضللها بالأخبار الكاذبة واختراق الخصوصية؟

ومؤخراً، وعلى خلفية مزاعم بأن معلومات 50 مليونًا من مستخدمي فيسبوك قد أسيء استخدامها من قبل شركة الاستشارات السياسية كمبردج أناليتيكا. اعترف مارك زوكربيرغ مؤسس موقع فيسبوك بأن الشبكة الاجتماعية العملاقة «ارتكبت أخطاء»، وحدث «خرق للثقة» بينها وبين مستخدميها. وأصدر بيانا حول تطبيق ألكسندر كوغان، الذي جمع من خلاله معلومات المستخدم لخدمة حملة دونالد ترمب إبان ترشحه للانتخابات الرئاسية. وفي الوقت نفسه قال زوكربيرغ: من الجنون الاعتقاد بأن فيسبوك ساعد في فوز ترمب.

 أما ألكسندر نيكس، المدير التنفيذي لكامبريدج أناليتيكا، فكان قد اقترح تكتيكات يمكن أن تستخدمها شركته لتشويه سمعة السياسيين عبر الإنترنت. وهو ما نفته شركة كامبريدج أناليتيكا بإعلانها أنها لا تتقبل أو تنخرط بأساليب ملتوية كالرشوة ونصب الأفخاخ.

ولدى وضع أزمة فيسبوك في سياقها الموضوعي، بعيداً عن التفاصيل والاتهامات المتبادلة إعلامياً وسياسياً، يبدو أن جوهر هذه الأزمة يتمثل في الاستغلال السياسي للفيسبوك من قبل الدول، المترافق بطموحات سياسية فيسبوكية محضة.

وهنا لا بد من التذكير بأن إسرائيل عملت وتعمل على استغلال وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي في خدمة سياساتها العدوانية من جهة، ومن جهة أخرى ترويج اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي وعلى نحو خاص الاتجاه المتطرف.

وكان فيسبوك محور خطاب الكراهية الأكبر في إسرائيل، حتى شهر أكتوبر 2015. ولذلك زار إسرائيل في أواسط أكتوبر 2015 مدير السياسات لدى فيسبوك في منطقة أوروبا، الشرق الأوسط وإفريقيا (EMEA) كي يناقش في الكنيست الحلول لظاهرة البلطجة في الشبكة. وفي أعقاب الزيارة نشر مدير السياسات منشورا كتب فيه «لا مكان في فيسبوك للمحتوى الذي يشجّع العنف، التهديدات المباشرة، الإرهاب أو عبارات الكراهية. لدينا نظام عالمي من المعايير المجتمعية التي تحظر المحتويات التي تحتوي على عبارات الكراهية، التهديدات المحدّدة من العنف أو البلطجة. عندما يتم التبليغ عن محتوى ما، فنحن نفحصه لنرى إذا ما كان ينتهك معاييرنا، وإذا كان الأمر كذلك، فسنحذفه».

إسرائيل لم تعتبر المنشور كافياً، لذلك قامت منظمة «خطّ القانون»، التي تهتم بمكافحة الإرهاب قانونيا، بتجنيد إسرائيليين لتقديم دعاوى جماعية ضدّ فيسبوك العالمية تحت شعار: «نقاضي فيس بوك - نعزل الإرهاب».

واتهم وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان صفحات الفيسبوك بأنها منصة للتحريض على الإرهاب، ليس هذا فحسب، بل وفي هجومه الجنوني على اليهودي زوكربيرغ، مؤسس الموقع، قال أردان «إن دم ضحايا الإرهاب يلطخ أيدي زوكربيرغ».

ويشير قانون إسرائيلي إلى أنه عند ظهور محتويات تتطلب التدخل الاستثنائي في الفيسبوك، يمكن أن تصدر المحكمة أمرًا إداريًا لإزالتها فورًا، ويتيح القانون إغلاق أماكن بشكل ميداني، حيث ترتكب فيها مرارًا وتكرارًا انتهاكات خطيرة للقانون؛ سيكون إغلاق مواقع افتراضية في الإنترنت تهدف إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، وتشجع على الأعمال الإرهابية.

وصادق الكنيست في 21 /‏7 /‏2016، بكامل هيئته على مشروع قانون يلزم شركة «فيس بوك» بغلق أي صفحة أو مجموعة أو حساب شخصي يقوم بالتحريض ضد إسرائيل خلال مدة لا تزيد عن 48 ساعة. وبموجب التشريع سيتم فرض غرامات مالية تصل قيمتها إلى نحو 78 ألف دولار أميركي على كل تدوينة تنشر عبر فيسبوك، تويتر ويوتيوب.

وعقّبت إدارة فيسبوك على الاتهامات الإسرائيلية، بالقول إنها تتعاون مع جهات أمنية عديدة في العالم ومنها إسرائيل، وأنها لا تسمح بنشر مضامين تحمل تحريضا على العنف والإرهاب.

وعُقدت في تل أبيب، في سبتمبر 2016، سلسلة لقاءات بين وزراء إسرائيليين، وعلى نحو خاص وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، ووزيرة القضاء آييلت شاكيد، ومسؤولين رفيعي المستوى في شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، لبحث آفاق التعاون بين الجانبين. وتم الاتفاق على توطيد التعاون بين السلطات الإسرائيلية المختصة وشبكة «فيسبوك»، فيما يتعلق بشطب «مضامين تحريضية» من صفحات الشبكة.

 وقالت شاكيد في مؤتمر دولي لـ«لمكافحة الإرهاب» في هرتسليا: إن فيسبوك قبلت 95 في المئة من التوجهات الإسرائيلية لها وقامت بشطب مضامين «تحريضية»، فيما قبلت يوتيوب 80% من التوجهات الإسرائيلية».

 وأقدمت إدارة فيسبوك منذ 9/‏23/‏ 2016 على إغلاق عدد من الصفحات الفلسطينية الخاصة بمواقع ووكالات أنباء إخبارية ومسؤوليها. وأكثر من 300 حساب وصفحة فلسطينية بسبب منشورات مناهضة للاحتلال. ومنذ بداية العام الحاليّ 2018 أقدمت إدارة فيسبوك على حذف 60 حسابا فلسطينيا، بالإضافة إلى 52 حظر نشر وحذف منشورات.

وتشير استجابة إدارة فيسبوك للضغوط والإملاءات الإسرائيلية إلى أنها خرقت المواثيق الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير، وتمنع أي اعتداء عليها. أي أن إسرائيل نجحت في تدجين فيسبوك.