تتحدث الكثير من التقارير الأخيرة عما أطلقت عليه مصطلح (فضيحة) عقب انتشار معلومات عن بيع Facebook لمعلومات سرية لأكثر من 50 مليونا من المستخدمين على موقعه لصالح شركة كامبريدج أناليتيكا، التي قامت بعملية التحليل النفسي لمن يقبعون خلف تلك الحسابات، لاستخدامها لاحقا في أغراض متعددة، وهو أمر غير مشروع في ما يعنى بخصوصية المستخدمين.

وعلى إثر ذلك خرج مؤسس Facebook مارك زوكربيرغ، عبر صفحته معتذرا جدا، وواعدا «باتخاذ سلسلة خطوات لتعزيز حماية بيانات المستخدمين وإصلاح ما وصفه بـ«خرق الثقة» بين شبكة التواصل الاجتماعي والمستخدمين». بقوله: «علينا مسؤولية لحماية بياناتكم، وإذا لم نتمكن من ذلك فإننا لا نستحق خدمتكم».

هذه الحادثة -من عدة حوادث بالتأكيد- تكشف لنا مدى قدرة هذه المواقع والشبكات على التحكم في تقرير مصير الأمم والمجتمعات في كل أنحاء العالم. واستطاعتها تحويل مسارات سياسية واقتصادية وفكرية من جهة إلى أخرى.

ولنأخذ على سبيل المثال الجانب السياسي الذي لعبت وتلعب فيه منصات التواصل الاجتماعي دورا مهما أثار الشبهات حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي احتدمت معاركها الحقيقية في عام 2016، إذ قدمت تلك المنصات، وبخاصة (Facebook وtwitter) وبشكل ممنهج جدا، معلومات وصفت بالرديئة والمغلوطة عن السياسة والسياسيين، مثل بث القصص المشينة والأخبار التافهة ونظريات المؤامرة، وغيرها من الروايات التي يمكن لها أن تؤثر على نتائج الانتخابات في أي بلد في العالم، والغريب أن تدفق هذه البيانات والمعلومات لم يتوقف حتى بعد نهاية الانتخابات، وإن خفت حدتها في نهاية 2017، وهو ما كشف عن وجود جهات خارجية وقفت خلف ذلك التوجيه الإلكتروني عبر المحتوى الزائف لأمزجة الناخبين، حيث كان تبادل القصص الإخبارية (المفبركة) يحدث على نطاق أوسع مقارنة بتلك الأخبار التي تم إنتاجها بشكل مهني، وبلغ توزيع الأخبار التافهة أعلى مستوياته في اليوم الذي سبق التوجه لصندوق الاقتراع!!

وقد كشفت التحقيقات الأولية عن مصادر مؤكدة عن مواقع تلك البيانات التي أشارت صراحة إلى تدخل أنف روسيا في ذلك، من خلال سيطرة مؤسسات إخبارية ضخمة مثل «روسيا اليوم، وسبوتنيك» على المحتوى المنشور، إضافة إلى ما يتم تسريبة عبر موقع «ويكيليكس».

وقد تم رصد مثل هذا التدفق والنشر المرعب للبيانات المغلوطة التي تهدف إلى التلاعب بالجمهور في الانتخابات الفرنسية، وما قبل وبعد عملية الاقتراع البريطاني حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي الانتخابات الفيدرالية الألمانية العام الماضي.

المتابع لهذا الشأن سيصل إلى نتيجة تفيد بأن مجتمعات العالم ما زال بالإمكان التلاعب بها وتسييرها عبر تتبع أمزجتها وميولها الشخصية، وليس وفق ما تعنيه أو تقتضيه المصلحة العامة، وهذا في الواقع مؤشر خطير على عمق شكلانية المجتمعات العالمية ومشاكلها الفكرية والثقافية.

إذ على الرغم من تزايد الدعوات العالمية للتحقق من المحتوى المنشور على الأحداث في البلدان والمجتمعات، إلا أن تفاقم مشكلة انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المغلوطة يسير بشكل قوي في اللحظات السياسية أو الاقتصادية الحاسمة حول العالم، وهذا يعطي دلالة واضحة على أن هناك تنظيمات على مستوى الدول تقف خلف ما يحدث، وأن هناك شركات عملاقة لا يهمها في المقام الأول سوى الحصول على الثراء المادي، بغض النظر عن العواقب التي ستحدث لتلك المجتمعات لاحقا، وهو مؤشر أكيد على انخفاض الأخلاقيات.

فمنصات التواصل الاجتماعي على الرغم من تورطها في نشر الفوضى والمحتوى المزيف، لم تقم فعليا بشكل ملفت في وضع حلول فنية مبتكرة للسيطرة على هذه النقطة الضعيفة في منظومة عملها، وهو ما يجعلنا نتساءل عن مدى الموثوقية والأمن الذي نستطيع الحصول عليه في تلك المنصات العالمية؟

صحيح أن شبكات التواصل الاجتماعي على تعددها لا تصنع المحتوى، لكنها توفر المنصات اللازمة لانتشاره، وتصنع على خلفية ذلك بطريقة غير مباشرة حركة الشوارع على ضوء ما ينتشر عليها، وأظن أن على القائمين على تلك المنصات البحث عن خيال أوسع للتنبؤ -ولو إلى مستوى النصف- بما يبحث عنه الانتهازيون من سياسيين واقتصاديين وفكريين وغيرهم من الباحثين عن السيطرة على العالم، أو توجيهه بناء على مصالح خاصة لا يعنيها المستوى الأخلاقي للبشرية، فكما أن للخوارزميات وعملية الأتمتة دورا في صناعة الشبكات وطريقة عملها، يمكن أيضا السيطرة من خلالها على صناعة المحتوى، واصطياد الرديء منه وإبعاده عن التلاعب بالرأي العام، لتجنب طغيان الجدل اليومي للمجتمعات حول أمور يتم تقرير مصيرها من تحت الطاولة.