انطلقت قمة القدس من أرض العروبة والإسلام، من مملكة السلام والأمان لتحتوي شقيقاتها من المحيط إلى الخليج، في ظل جناحيها المحلقين دوماً في سماء العروبة والإسلام، لتجمع شمل الأمة العربية بقياداتها، ولتحمل زمام القيادة العربية في جمعها الميمون، ولخدمة شقيقاتها فيما يتطلعون إليه من آمال وطموحات لأوطانهم، وللمساهمة في حل قضاياهم وتحدياتهم التي يعيشونها على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، ولحماية حقوقهم المسلوبة التي استنزفت الكثير من الأرواح والأموال والجهود من الأمة العربية لأكثر من نصف قرن من الزمان، تتعاون جميعها وتلتقي قياداتها لتترجم مسؤولياتها إلى أعمال، وجهودها إلى مبادرات وبرامج عمل ومشاركات عربية محمودة، تتعاون جميعها لإرساء الأمن والأمان بين شعوبها وفي محيطها الإقليمي؛ من خلال اتفاقيات ومعاهدات عربية متكاملة، تخدم الوحدة العربية بجميع كياناتها وتستهدف الارتقاء بالشعوب بجميع مكتسباتها، تسعى نحو الازدهار للجميع ليعم الرخاء والاستقرار جميع بلادنا العربية، وذلك إيماناً بأن ما يألم فيه عضو تألم له سائر الأعضاء وما ينعم به عضو، تنعم به كذلك سائر الأعضاء، فهناك تاريخ مشترك يجمعهم كإخوة، فقد شهدت أراضيهم مراحل مختلفة من تاريخ الأمم، وعاشوا معاً حضارة بشرية تجمعهم في أصولها وفروعها، وأديان سماوية تميزهم كأمة واحدة، يتصدرها الدين الإسلامي بتسامحه وغلبته وشموله، ويوحدهم مصير مشترك يتربص بهم ليحصدوا هم وأبناؤهم من الأجيال المعاصرة والقادمة، ما يزرعوه لهم من بذور يُثمر طرحها نماءً وخيرا ليستفيد منه الجميع، ولتنعم الشعوب بما يتبنوه لهم من قرارات مصيرية وما يتم التنسيق له من اتفاقيات تصب في صالح الأوطان وشعوبها.

 للقيادة سمات ومتطلبات من الإقدام والشجاعة والشهامة وبعد النظر والمرونة وغيره مما يقتضي وجوده لتصيب الجهود الأهداف، ويجتاز المركب بأحماله الثقيلة خضم البحر المتلاطم بأمواجه العالية، ورياحه العاتية، وعواصفه المدمرة ما بين الفينة والأخرى؛ ليرسو على بر الأمان حيث شواطئ الأوطان وملتقى الشعوب، وكما أن للقيادة سمات ومتطلبات فإنها تحتاج كذلك لممكنات تدعمها في مسيرتها، ومساندة تدفع بها نحو تحقيق الأهداف، وتختلف تلك الممكنات ما بين أساسيات مادية وبيئية وموارد طبيعية واقتصادية وبشرية مختلفة تسهم في تحقيق المستهدفات، وإذا كانت تلك الممكنات متاحة مكانياً، وبظروف ميسرة اقتصادياً، وبيئة داعمة أمنياً وبشرياً، فذلك نعمة وفضل من رب العالمين قد حباه الله للمملكة العربية السعودية، بما مكن لها من ظروف وما توفر لها من تلك السمات والممكنات قيادة ووطناً وشعباً، لتكون ذلك النموذج المعطاء بسخاء في شتى المجالات ومختلف المتطلبات، ومثال الوفاء في كل الحاجات، فاستحقت لأن تحمل راية الأمة العربية والإسلامية بشعوبها لسنوات خلت.

وقد ترجمت القيادة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين شرف تلك المسؤولية وذلك الاستحقاق في إطلاق مسمى «قمة القدس» كعنوان للقمة العربية المنعقدة في الظهران، والذي يحمل في طياته عمقا سياسيا كبيرا واستشعارا إنسانيا متميزا لحجم المسؤولية نحو القدس والقضية الفلسطينية، والتي تعتبر الحلقة الأهم والبداية الحقيقية لما تعيشه المنطقة من توترات سياسية واختلالات أمنية انعكست تبعاتها على سائر الدول العربية.

 وإن ما أعلنته القيادة من مبادرة داعمة مادياً للقدس والقضية الفلسطينية والفلسطينيين؛ لهو خير برهان على سمو المقصد ومصداقية التوجه وإخلاص النوايا نحو دعم قضايانا العربية والإسلامية، كما وإن ما استأثرت به القضية الفلسطينية والقدس من اهتمام تمحورت حوله كلمة خادم الحرمين الشريفين الافتتاحية للمؤتمر؛ ليؤكد على مركزية القضية الفلسطينية والقدس، وأنها ما زالت القضية الأولى في جدول أعمال الهموم العربية والذي أشار إليه خادم الحرمين الشريفين في كلمته، وحتى يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه ويتمكن من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما أكد حفظه الله على الرفض العربي للقرار المتعلق بالقدس الشرقية لأن تكون عاصمة لإسرائيل، لكونها جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وإن حل القضية لا بد وأن يكون وفقاً لمبادرة السلام العربية وذلك كخيار عربي إستراتيجي، وإنه لا سبيل لتحقيقه إلا من خلال السلام والعدل الشاملين.

 وإن ما تضمنه الإعلان الختامي لقمة القدس «إعلان الظهران» من مبادرات وقرارات وبرامج عمل وتوضيح لقضايا عربية وإقليمية شملت جميع دوله وبما تعيشه شعوبه من تحديات داخلية وإقليمية؛ ليستحق الإشادة والتقدير بما احتواه من موضوعات وما توصل إليه من اتفاقيات وقرارات ذات صلة بالشأن المحلي لدوله، وما تحتاجه من دعم عربي وتعاون مشترك لما تواجهه من تحديات تستهدف أمنها الداخلي واستقرارها الوطني، وذلك مع التأكيد على التمسك بالمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية، بالإضافة إلى الاهتمام بقضايا التنمية ومتطلباتها ومنها الاستمرار بدعم التنمية والشراكة مع القطاع الخاص، وتقدير جهود إقامة منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى والاتحاد الجمركي العربي، وقد توج اختتام المؤتمر العربي بحضور ورعاية من خادم الحرمين الشريفين والقادة العرب، لاختتام تمرين درع الخليج المشترك الأول، والذي يُعد الأضخم من نوعه في المنطقة لما تضمنه من آليات متقدمة وتدريب عالي الجودة والنوعية والمحتوى العسكري والذي شاركت فيه 23 دولة، وذلك تحسباً واستعداداً لأي تهديد أو عدوان تتعرض له المنطقة.

 ومما لا شك فيه أنه من خلال التعاون الجاد والشراكة العربية الحكيمة وتنسيق الإستراتيجيات والسياسات الوطنية والإقليمية وما نحتاجه ونتطلع إليه من توحيد للمواقف والتفاهم العربي المشترك؛ يمكننا معالجة ومواجهة كثير من التحديات التي تواجه دولنا وشعوبنا، لتقف سداً منيعاً أمام جميع الاختراقات الإقليمية والدولية التي تهدد أمننا العربي، ونحد من مختلف التدخلات التي تعيق تحقيق تطلعات جميع الشعوب العربية دون استثناء، وتحول دون تقدمها الحضاري والإنساني؛ لتنافس الدول المتقدمة في صدارة الساحة الدولية، ولتفرض وجودها الذي تستحقه كأوطان وكشعوب.