حمد الحميد



يوم الجمعة 9 فبراير 2018، قامت مجموعة سعوديين في أميركا بالتعاون مع النادي السعودي بجامعة قالوديت في واشنطن دي سي بالتوعية بعنوان «من الخطأ الشائع تسمية الصم بالبكم» وحققت الحملة انتشارا واسعا وجدلا بين المغردين على تصحيح المصطلح الخاطئ على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عبر هاشتاق #دعونا_نرتقي وشاركت معهم في التوعية، والهدف من ذلك هو نشر التوعية والتوضيح وتصحيح المفاهيم في مجتمعاتنا العربية. وتعجبت حين قرأت الردود من المغردين، نظرا لوجود الخطأ الشائع بتسمية الصم بالبكم، والمسمى الصحيح والمناسب هو «الصم وضعاف السمع» وليس البكم كما يتفق غالب الباحثين والتربويين على ذلك، وأحيانا نسمعهم في مجتمعنا السعودي، مع الأسف، يطلقون على الأشخاص الصم وضعاف السمع مصطلح «الصم والبكم».

وهنا أودّ أن أطرح الأسئلة، ولا بد من الحصول على الإجابات المنطقية: هل حقا الصم وضعاف السمع لا يستطيعون التحدث؟ وهل لديهم لغة خاصة بهم للتواصل؟ وهل كل لغة هي لغة منطوقة فقط؟

ترى الأبحاث الاجتماعية الحديثة أن أي مجتمع من المجتمعات البشرية هو كالفرد، يملك شخصية ولغة خاصة به. وهذه الشخصية المجتمعية تعرف في الاصطلاح العلمي باسم «Culture»، وهذا يعني أن كل بلد في العالم وفي كل مجتمع، لديه ثقافة ولغة خاصة به للتواصل، مثل اللغة العربية واللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية وغيرها، وليس صحيحا أن كل لغة تكون منطوقة فقط، بل لغات متنوعة وبصرية أيضا للتواصل والتعبير بطبيعة الحال، وإن لغة الإشارة هي لغة طبيعية في كل بلد، مثلها مثل لغة أخرى للتواصل، وليس صحيحا أنها لغة عالمية كما يظن بعضهم، ولغة الإشارة هذه لا تقل عن اللغة المنطوقة، وعلى كل مجتمع الاعتراف بلغة الإشارة لغةً رسمية للتواصل مع الأشخاص الصم، أما الأشخاص من فئة ضعاف السمع، هم يعتمدون على التواصل البشري، كتواصل شفهي للتخاطب، وبعضهم يستطيعون التحدث بطلاقة مثل السامعين، فهل يعقل أن يطلق عليهم لفظ «بُكم»؟

في الحقيقة، إن مصطلح «الصم والبكم» خاطئ وغير منطقي، لأن المجتمع العام لم يفهم «مجتمع الصم ولغة الإشارة». فالمجتمع لدينا يركز على أن الصم لديهم مشكلة نتيجة إعاقة سمعية فقط، بغض النظر عن ثقافتهم ولغتهم، وفي الوقت نفسه ما يزال بعض أفراد المجتمع العام يجهلون تماما ما ثقافة الصم وضعاف السمع وطبيعتهم، فلذا من الخطأ إطلاق لفظ «بكم» عليهم.

الصم وضعاف السمع في جميع الدول المتقدمة تمكّنوا من حذف كلمتي «بُكم» و«إعاقة»، وتطلق على الصم وضعاف السمع فقط، وتم التصويت في الاتحاد العالمي للصم على إلغاء كلمتي «بكم» و«إعاقة»، وجميع المنظمات والجمعيات الخاصة بالصم وضعاف السمع في الدول المتقدمة لا تستعمل لفظ «بكم أو إعاقة سمعية»، وإنما الاكتفاء بمصطلح «الصم وضعاف السمع»، لأن هناك البحوث العلمية والأدلة المنطقية التي لا تتفق مع هذه كلمة «بكم» في نظرهم، ومن هذه المنظمات والجمعيات -على سبيل المثال- والتي تمثل الأشخاص الصم وضعاف السمع على مستوى الدولة «الجمعية الوطنية للصم وضعاف السمع»، ومنح لهم حق في اختيار المسمى الصحيح، ولا يحق لغير أصم أو ضعيف السمع أن يطلق عليهم مصطلح «بكم».

غالب الباحثين اتفقوا على أن الأفراد الصم وضعاف السمع ليسوا بُكْما، لأن لديهم لغة خاصة كلغة الإشارة والتواصل البصري للتواصل والتعبير، لذلك هم يتواصلون عن طريقها، كما أن بعضهم يجيد التحدث بطلاقة مثل السامعين، والبعض الآخر يستخدم لغة الإشارة كلغة طبيعية، ولا أظن أن عاقلا يطلق عليهم «بكما».

هنا اختصار واضح للسامعين، الإعاقة الحقيقية للإنسان هي إعاقة العقل والفكر وليست إعاقة الجسد، كما يظن بعضهم، فالأصم أو ضعيف السمع هو إنسان مثله مثلكم، ويملك لغة خاصة به للتواصل مثل لغتكم، ويملك عقلا مثل عقلكم، ويملك المهارات المتنوعة مثل مهاراتكم، ولا فرق بينه وبينكم سوى لغة التواصل فقط، فتأملوا.