مايكل يونج*


لا يبدو أن الهجوم الكيميائي الأخير على «دوما» السورية حالة شاذة خارجة عن المألوف. فعلى الرغم من الجهود الدولية المتسقة على مدى العقود المنصرمة لحظر الأسلحة الكيميائية، إلا أن كلا من سورية وتنظيم داعش وكوريا الشمالية، وحتى روسيا، استخدمت هذه الأسلحة في السنوات الأخيرة. كذلك، يُشكل غياب الإجراءات الملموسة لمحاسبة مُرتكبي الهجمات الكيميائية منعطفا خطيرا، يتم بموجبه التعامل مع الأسلحة الكيميائية على أنها أسلحة حرب تحظى بقبول ضمني. ردا على هذه الهجمات، عمدت الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الأوروبيين والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على مواطنين سوريين وروس، كما طرد بعضها دبلوماسيين روس من دولهم. صحيح أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعقد اجتماعات ردا على استخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أن الاجتماعات وحدها لا تفضي إلى نتائج.

لقد تم اللجوء إلى الخيارات العسكرية ضد سورية للرد على الهجمات الكيميائية – وكان آخرها في 14 أبريل 2018 – لكن إطلاق عملية عسكرية مستدامة قد لا يكون مستساغا سياسيا. لذا، ينبغي على الحلفاء الذين يتشاطرون نمط التفكير نفسه دعم الإدانة الشعبية لهذه الهجمات ومواصلة فرض العقوبات، وأيضا التفكير في نشر المزيد من المعلومات لدحض السرديات الروسية القائلة إن استخدام روسيا وسورية للأسلحة الكيميائية لا يعدو كونه مزاعم كاذبة.

 أظهرت الضربات الجوية الأميركية والبريطانية والفرنسية الأخيرة في سورية أن الحظر المفروض على استخدام الأسلحة الكيميائية لا يزال يحمل وزنا رمزيا كافيا لإحداث ردود فعل لدى الجهات التي تخلَّت حتى عن التظاهر بالاهتمام بالسوريين. مع ذلك، لا بد من ملاحظة إلى أي مدى فقد هذا الحظر الدعم التوافقي الذي حظي به منذ تسعينيات القرن الماضي. فاليوم، أصبحت قوة رئيسة مثل روسيا تمتنع عن إدانة الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيميائية، وتختار بدلا من ذلك تبني مزيج غير مترابط من الإنكار ونظريات التآمر المزيفة والاتهامات الواهية ضد الجماعات المتمردة.

يعود هذا التراجع بالاهتمام إلى انحراف أوسع نطاقا في مرحلة ما بعد عام 2001 عن المفاهيم التي ساهمت في رسم معالم أواخر القرن الـ20، حينما بدأت المجتمعات الغربية تنغلق على نفسها وتقع أسيرة الظاهرة المَرضية الخاصة بـ«الحرب على الإرهاب» التي تضرب بالتدريج مفهوم النظام الدولي القائم على القوانين. لم تكن معايير مثل حق اللجوء والحظر المفروض على استخدام الأسلحة الكيميائية والتعذيب يوما بمنأى عن الانتهاك، لكنها كانت على الأقل تحظى بإجماع غربي واسع.

وفي هذا السياق، تُعتبر إعادة تأكيد الحظر على استخدام الأسلحة الكيميائية خطوة إيجابية وتحظى بترحيب عالمي واسع.

 

*مدير سابق لشؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأميركي – (مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي) - واشنطن