قبل أيام كتب الباحث الفرنسي برنار هنري ليفي مقالا تحدث فيه عن العلاقة بين إيران البهلوية (1925-1979) وألمانيا النازية، خاصة خلال حقبة رضا شاه بهلوي (1925-1941)، وقد أشار إلى أن تغيير مسمى البلاد من فارس (Persia) إلى إيران في اللغات غير الفارسية قد جاء بمقترح من حكومة هتلر. هذا الأمر قاد إلى عدة نقاشات بل واعتراضات من باحثين إيرانيين معظمهم في الغرب، واتهموا الباحث الفرنسي بتزوير التاريخ.

هذا الموضوع تحديدا تطرقت له باستفاضة في أطروحتي لدرجة الدكتوراه (متاح الكتاب حاليا في الأسواق باللغة العربية تحت عنوان: الآخر العربي في الفكر الإيراني الحديث)، وقد أبرزت العلاقة بين النظامين السياسيين الألماني والبهلوي خلال تلك الحقبة. تقوم الفكرة الألمانية على أن الألمان والفرس ينحدرون من فصيلة عرقية واحدة وهي العرق الآري الذي كان هتلر يعتبره أرقى الأعراق وأنجبها في العالم، وأنهم يتمتعون بالذكاء والفطنة الخارقة، وبناء على ذلك صدر قانون عنصري في ألمانيا ضد غير الآريين وبخاصة الساميين. وكان الإيرانيون يعاملون معاملة خاصة في ألمانيا آنذاك لهذا السبب، حيث وجدت حكومة «الرايخ» النازية أن الإيرانيين يجري في عروقهم الدم الآري النقي وبالتالي تم استثناؤهم من قانون «نورمبرغ» العنصري.

اللافت للانتباه أنه في غضون تلك الفترة، أصبحت العلاقة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية بين إيران وألمانيا النازية، أوثق شيئاً فشيئاً، لأن رضا شاه كان يرى ألمانيا قوة بديلة عن بريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي كليهما. بداية من عام 1933، وقد وصلت الأنشطة النازية في إيران إلى حد ترويج ألمانيا للأيديولوجية النازية الآرية داخل إيران، ناهيك عن تكريس الاعتقاد بالتفوق الآري المشترك لكلا البلدين.

ولقد تأثرت المفوضية الفارسية في برلين بشدة بالأحداث الدائرة في ألمانيا والأيديولوجية النازية، التي ركزت على تفوق العرق الآري، مع وصول هتلر إلى سدة السلطة في الثاني من أغسطس عام 1934، بعد موت الرئيس هيندنبيرج. من ناحية أخرى، تشير تقارير إلى أن بعض أصدقاء السفير الإيراني أقنعوه بأنه طالما كان رضا شاه مهتماً جداً بتاريخ بلاده، ونجح في تحريرها من النفوذ الضار لبريطانيا العظمى وروسيا، الذي أدى إلى تشويه الشؤون الداخلية خلال الحقبة القاجارية، «من المناسب أن تُسمى البلاد باسمها الخاص، إيران. لم يكن هذا التغيير يشير فقط إلى بداية جديدة وإعادة إحياء لتاريخ إيران القديم، بل يركز أيضاً على أن سكانها ينتمون إلى العرق الآري، لأن «إيران» مشتقة من «آري»، وإيران مهد العرق الآري وموطنه، فينبغي تغيير اسمها إلى إيران. بعبارة أخرى هذا المقترح قد جاء من الحكومة الألمانية للمندوبية الإيرانية في برلين التي رفعته بدورها لوزارة الخارجية الإيرانية، ومن ثم إلى رضا شاه بهلوي الذي تبنى الفكرة وأعلن رسميا تغيير المسمى اعتبارا من العام الهجري الشمسي الجديد (21 مارس 1935)، وأن أي رسالة أو خطاب يصل البلاد بالاسم القديم بعد ذلك التاريخ يعاد للمصدر.

 في هذا الصدد يقول رضا شاه بهلوي في إحدى المناسبات مبررا تغيير الاسم «كلما ذُكرت أو كُتبت كلمة پارس (أي فارس)، فسوف يتذكر الأجانب على الفور الضعف والجهل وسوء الحظ والاستقلال المتلاشي والحيرة... التي كانت عليها إيران القديمة».

يذكر أن «إيران القديمة»، تشير هنا بالطبع إلى التاريخ الإسلامي لإيران، وليس التاريخ القديم. وفي معرض تعليقه على هذه الحادثة، يرى الباحث الإيراني المعروف البروفيسور إحسان يارشاطر أن هذا التحول «لم يكن فحسب إشارة إلى بداية جديدة وجعل العالم يدرك بوضوح الحقبة الجديدة في التاريخ الفارسي، بل يشير أيضاً إلى العرق الآري للسكان، لأن كلمة «إيران» تشترك في أصل لغوي واحد مع «آري» وهي مشتقة منها».

 ليس هذا في نظري ما أثار حفيظة بعض القوميين الإيرانيين في المهجر بل الربط المحتمل بين أن هتلر وإيران البهلوية كانا يتشاركان في العداء لليهود والسامية. لذا بدأ القوميون بالتواصل مع اليهود الإيرانيين في الولايات المتحدة الأميركية ونجحوا في إقناعهم بإصدار بيان باسم «اتحاد اليهود الإيرانيين-الأميركيين» أعربوا فيه عن شكرهم للمعاملة الحسنة التي كانوا يتلقونها كمواطنين إيرانيين من الحكومة البهلوية، وأن ألمانيا لا علاقة لها بتغيير اسم البلاد من فارس إلى إيران. يبدو أن أنصار النظام الشاهنشاهي لا يرغبون في ربط مثل هذه المزاعم بتاريخهم، وبالتالي يتشاركون مع نظام الولي الفقيه الراهن كما يُزعم في العداء لليهود أو الدولة الإسرائيلية، أو أن الشاه كان مؤيدا لما يعرف بمحرقة الهولوكوست.

وفقا لكتاب «الألمانيون وإيران» يقول السفير الألماني في طهران خلال ثلاثينيات القرن الماضي «لقد نما إلى علمنا أن بعض الملالي في إيران أصبحوا يرددون على المنابر أن الله قد أرسل الإمام الغائب إلى الأرض في هيئة هتلر، وأن الأمر قد وصل إلى أن أحد الناشرين في طهران قد طبع صورة كبيرة تظهر أن هتلر يسير على خطى الإمام الأول للشيعة (علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، مؤكدا على أن السفارة لا علاقة لها بذلك مطلقا. كما أن بعض المصادر تتحدث أيضا عن أن هتلر قد قام بإرسال برقية إلى رضا شاه يهنئه فيها على الانتهاء من بناء سكة القطار واقترح أن يطلق اسم «نازي آباد» أي حي النازية على المنطقة المجاورة لمحطة جنوب طهران، إلا أن هناك من يشكك في دقة هذه المعلومة، ويرى أن البرقية المنسوبة لهتلر في هذا الخصوص غير صحيحة.

صحيح أن الشاه لم يلتق يوما بهتلر ولكن كانت هناك مكاتبات عدة بين الجانبين وقد عثرت قبل سنوات في أحد المصادر على صورة لهتلر قد وقع أسفلها وأرسلها لرضا شاه بهلوي. وبعد البحث في المصادر وجدت كتاب «مذكرات تاج الملوك» زوجة رضا شاه بهلوي ووالدة محمد رضا شاه بهلوي، قد أشارت إلى الموضوع وقصة الصورة، وذكرت أنه في عام 1936 زار وفد إيراني رفيع ألمانيا والتقى بهتلر وقدم له هديتين من السجاد الإيراني الفاخر (سجاد تبريزي)، نُقش على إحداهما صورة هتلر وعلى الأخرى علامة النازية (قوسين معكوفين) وقد أعجب هتلر بهما وقدم للوفد ثلاث صور شخصية كتب في أسفل إحداها بالألمانية «جلالة الملك رضا شاه بهلوي، شاه إيران، مع كل التمنيات لكم بالتوفيق، برلين 12 مارس 1936، التوقيع: آدولف هتلر ب»، ولا تزال الصورة في متحف نيوران في قصر صاحبقرانية طهران.

الخلاصة، يبدو أن هذه النقاشات بين القوميين الإيرانيين التي أثارها الكاتب الفرنسي لن تنتهي سريعا، وقد تقود إلى مواضيع كثيرة ربما من بينها مستقبل إيران السياسي وطبيعة النظام الذي قد يحل محل نظام الولي الفقيه في حال سقوطه، وطبيعة العلاقات الخارجية، ويبدو أن هناك من أوعز لبعض الباحثين الإيرانيين المؤيدين للنظام الملكي في إيران لإبراز براءتهم من العلاقة بألمانيا النازية والعداء لليهود.