في ذروة الحرب العالمية الثانية، جادل مؤسس مجلة «تايم» الأميركية، هنري لوس، بأن الولايات المتحدة قد جمعت من الثروة والقوة، بحيث أصبح القرن العشرون يُعرف باسم «القرن الأميركي». وأثبتت توقعاته حقيقة ذلك، على الرغم من تحدي الولايات المتحدة النازية، وفي وقت لاحق، الاتحاد السوفيتي، وانتصرت الولايات المتحدة ضد خصومها. وبحلول مطلع الألفية، بدا موقفها كدولة أقوى وأكثر نفوذا في العالم غير ملموس. ونتيجة لذلك، تميَّز القرن الـ20 بهيمنة ليس لبلد معين فحسب، بل أيضا على النظام السياسي الذي ساعد في انتشار: الديمقراطية الليبرالية.

ومع ازدهار الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، كان من المغري أن نعزو هيمنتها إلى جاذبيتها المتأصلة. إذا بدا المواطنون في الهند أو إيطاليا أو فنزويلا مخلصين لنظامهم السياسي، فلا بد أنهم كانوا قد وضعوا التزاما عميقا بالحقوق الفردية وتقرير المصير الجماعي. وإذا ما بدأ البولنديون والفلبينيون في الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية فلا بد أنهم كانوا أيضا يتشاركون في الرغبة الإنسانية العالمية للديمقراطية الليبرالية.

ولطالما كانت الديمقراطيات الليبرالية الغربية رهينة صعود وهبوط الأسواق، ولكن بالنظر لكافة فترات الازدهار والركود التي خاضتها، ظلت هناك حقيقة اقتصادية ثابتة: فيما عدا لحظات الأزمات الشديدة، تمتّع المواطن العادي للديمقراطية الغربية، منذ اندلاع الثورة الصناعية، بمستوى معيشي أعلى من أبويه، كان المواطن العادي يتطلع إلى مال أكثر وحياة أطول وقضاء فترة معقولة من حياته مرفَّها، لم يعد هذا ساريا اليوم، طبقا لمجموعة كبيرة من البحوث قادها اقتصاديون مثل توماس بيكَتي وإمانويل سايز، في معظم الديمقراطيات المتقدمة، ظل متوسط الدخل ثابتا على مدار الخمس وعشرين سنة الماضية: في الولايات المتحدة أورد مكتب الإحصاء متوسطا أقل للدخل عام 2012 مقارنة بـ1989.

لكن أحداث النصف الثاني من القرن الـ20 يمكن تفسيرها بطريقة مختلفة للغاية. لقد انجذب المواطنون في جميع أنحاء العالم إلى الديمقراطية الليبرالية، ليس بسبب معاييرها وقيمها فحسب، بل أيضا لأنها قدمت أبرز نموذج للنجاح الاقتصادي والجيوسياسي. ربما لعبت المثل المدنية دورها في تحويل مواطني الأنظمة السلطوية سابقا إلى ديمقراطيين مقنَّعين، وكان النمو الاقتصادي مذهل لأوروبا الغربية في الخمسينيات والستينيات، وانتصار الدول الديمقراطية في الحرب الباردة.

إن تناول الأسس المادية للهيمنة الديمقراطية يعكس بجدية قصة نجاحات الديمقراطية الكبرى في ضوء مختلف، كما أنه يُغيِّر الطريقة التي يُفكر بها المرء في أزمته الحالية.



ياسشا مونك - أستاذ محاضر بجامعة هارفارد الأميركية - مجلة (فورين أفيرس) – الأميركية