في العاشر من مايو كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للأسرة. هذا الاحتفال باللبنة الأساسية في المجتمع يستدعي استحضار معنى الأسرة وأهمية القيم الأسرية في أي مجتمع، وضرورة مراجعة بعض المفاهيم الخاصة بالأسرة، إحياءً لدورها وتعظيما لشأنها الذي عظمته كل الثقافات الإنسانية على مر العصور.

أريد أن أركز هنا على 3 مواقف استرعت انتباهي، وأظننا نحتاج إلى تسليط الضوء عليها في مجتمعنا. لفهم ما يحدث والتعليق عليه.

الموقف الأول: نشر المركز الوطني للدراسات الاجتماعية الخاصة بالمرأة قبل أيام استبانته التي يريد خلالها أن يرسم الإستراتيجية الوطنية للمرأة السعودية. والمرأة هي كما يعرف الجميع قلب الأسرة النابض، وحارس أمانها وسعادتها.

كلمة «إستراتيجية» -كما يعلم المتخصصون- كلمة كبيرة لفظا ومعنى، تحمل في طياتها عناصر التخطيط والإدارة، وتدرس الأخطار والصعوبات، وتقترح السبل وتضيء الطريق. إنها على كل حال كلمة تؤمن بالأرقام والمؤشرات ولا تهمل المعاني.

ومع كل التقدير لجهود المركز، إلا أنني أظن أن توجيه الاستبانة إلى النساء فقط خطأ إستراتيجي. الأسرة السوية يتشارك أفرادها الرأي، وعليه فالمجتمع السوي يتشارك أفراده الرأي، مما يجعل صياغة الإستراتيجية الوطنية للمرأة في مجتمعنا بمعزل عن شريكها الرجل تصرفا تنقصه الحكمة من وجهة نظري، خصوصا أن الأسئلة في الاستبانة لا تناقش موضوعات نسائية بحتة، بل هي جملة أمور اجتماعية نحتاج إلى طرحها على الرجال والنساء، لنستقرئ سقف الاهتمامات ونكتشف نوعية العقول.

أضيف، إن تكريس الهوة بوضع مناطق إستراتيجية للنساء وأخرى للرجال لا يتوافق مع توجّه خادم الحرمين، بأن يكون الرجال والنساء في مجتمعنا «على حدٍ سواء» إلا فيما نظمته الشريعة والدولة.

الموقف الثاني: يخص دور المشاهير في صياغة أفكار المجتمع حول الأسر، خصوصا أصحاب القلم.

مؤخرا، أشار كاتب -أحترم أطروحاته لفضل التأخر في الزواج- إلى أن من يؤخر قرار الزواج جدير بالاحترام، وذلك لتجويد خياراته والالتقاء بالشخص المناسب لتفكيره وأهدافه وسعادتهن والذي يزهر المرء معه.

نظريا، هذه الفكرة جميلة، لكن مؤسسة الزواج في مجتمعنا المسلم تسهم في الحفاظ على الأسرة، وكذلك تهدف إلى إعفاف الشاب والشابة ضمن إطار شرعي معترف به.

ربما كان من الأجدى أن يفكر الكاتب في أثر تأخر الزواج قبل التشجيع على ذلك، فالموازنة بين المصالح والمفاسد تقربنا إلى الصواب، وتحمي غيرنا من أفكارنا وآراءنا، في عصر يرانا أصحابه خلال كلماتنا أكثر من رؤيتهم لنا خلال أفعالنا.

النموذج الغربي البحت الذي يلمّح له الكاتب لا يصلح لنا، لأن نظام القيم في المجتمعين مختلف، وما يتقبله الأول قد يرفض الثاني بعض تفاصيله.

الموقف الثالث: هو الجدل الحاصل بين مناصري بقاء الولاية على المرأة ومعارضيها. يجب على من يعارض أو من يتفق، أن يفهم أولا قول الشرع -وليس من فسروا الشرع- من الولاية، والفرق بينها وبين القوامة والأحكام المتعلقة بالمفهومين، قبل أن يحكم بهداية هذا أو ضلال ذاك. والحقيقة أن هذا الجدل يعيدني إلى الموقف الأول الذي أغفل دور الرجل وكأنه هو السبب الوحيد لواقع المرأة. علينا أن ندعو إلى رسم إستراتيجية للأسرة وليس للمرأة فقط، كي لا نكرِّس الهوة أكثر ونقع في فخ التطرف المضاد لفكرة متطرفة، وهي السلطة المطلقة.

المرأة والرجل عنقٌ ورأس، لا وجود لرأس بلا عنق يحمله، ولا فائدة ترجى من العنق إذا سقط الرأس. إن تعزيز التوافق بين أفراد الأسرة، وردم هوة الخلافات، والعمل على إصلاح الكيان، لا يكفيه الكلام فقط بل يحتاج إلى وقفة صادقة من كل المهتمين، للتعرف على جوانب القصور وتصحيحها، بدءا من النظام إلى القوانين إلى الممارسات، خاصة مع ارتفاع الأرقام الوطنية والإقليمية لحالات الانفصال والطلاق. وكل عام وأسركم بخير وازدهار.