خرج علينا الشيخ عصام بن صالح العويد، في تاريخ 26/12/1431، ببيان مؤذ ومقلق، وبنفس الوقت مضحك، حيث يدخل في خانة "شر البلية ما يضحك،" تحت عنوان: "من يحمي بناتنا من الأميرة عادلة بنت عبدالله والمشروع التغريبي في بلاد الحرمين؟"، لما يحمله هذا البيان من فكر منغلق ومتشدد، وصل في كثير من عباراته غير اللائقة وغير المتوقع صدورها من شخص يحمل لقب شيخ، ناهيك عمّن، يعمل في منصب تعليمي وتربوي، لمادة أصول الدين، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية... وصلت فيه الجراءة للتهديد بحز الغلاصم. ويبدو أن لدى صاحب البيان، أسلوبا دراميا سطحيا، حيث بدأ بيانه بالمدخل التالي "بين يديّ قطعة قلبي ذات الشهور الخمسة (سارة) تملأ دنياي بسماتها وتطرب أذني بغاغاتها، أرقب أيامها لأراها وزميلاتها يركضن في مدارج العلم ويرتقين في سلم المعرفة مع تمام الحياء والعفة والستر.."

وبعدها يدخل صاحب البيان الدرامي السطحي، في عقدته الدرامية المشوشة، التي لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص متوتر وضيق الأفق، حيث ارتبكت لديه صورة الواقع وبقسوة خيالية تتخطى فنتازيا أفلام "الهلاوين"، إذ يذكر في بيانه أنه تابع نشاط الأميرة عادلة المحموم في مركزها (مركز خديجة بنت خويلد) وما جاوره من أنشطة الغرفة التجارية في جدة؛ حيث بدأ يتخيل بناتنا بنفس هيئات، كما يدعي "خليعات الحياء" ممن بُثتْ صورهن سافرات الوجوه مع المكياج الكامل وظهور الشعر والبنطال، لا يرضاه رجل ـ مجرد رجل ـ لمحارمه. ثم يتساءل: هل جئتِ أيتها الأميرة لتذبحي أحلامنا المشرقة في زهرات حياتنا بسكين "خديجة"؟ لنبكي بعد ذلك كأشباه الرجال آمالنا في بناتنا التي وئدت على عتبة باب بنت الملك؟!

ثم يبدأ مؤلفنا برسم مشاهد تصاعد بيانه الدرامي الساخر، لشدنا وجذبنا، بالنوازل والكوارث والمصائب التي أحدثتها ندوات المركز، مثل مناقشة موضوع نقاب المرأة، هل هو متعلق بالتقاليد أم بالدين. ثم يأخذ مداها لشد أنفاسنا أكثر بقضية مناقشة الرياضة في مدارس البنات! ثم طرح قضية قيادة المرأة للسيارة. ويختم تصاعده الدرامي فيما أسماه بـ"كارثة الابتعاث لطالبات خريجات الثانوية" و "الاختلاط في التعليم (الصفوف الابتدائية الأولية) والعمل"!!

وبعد رسمه للمشاهد التصاعدية الدرامية المرعبة، التي من المفترض أنها جادة، لا هزلية، لا شعورياً منه جعلنا نقرأ بيانه الدرامي الهزلي، وهو كذلك، لأنه سيق وكتب ورتب كذلك، حيث لا عاقل في الدنيا كلها، يعتقد أن أيا من النقاش حول النقاب أو لعب الفتاة للرياضة في مدرستها، أو ركوبها الخيل أو قيادة المرأة للسيارة، أو عملها ودراستها في ظل وجود رجال؛ تعتبر نوازل وكوارث ستقلب الدنيا على رأس أهلها. ولكن والحق يقال بأنه، أصر على أن يكون بيانه هزلياً حتى في رسم نهاية عقده التصاعدية، حيث ٍأورد أن الدول التي حادت عن النهج القويم، ومكنت الحريم، مما حذر البيان منه أعلاه مثل مصر وسورية وتونس والكويت والإمارات، قد وصلت نسبة العنوسة لديها أكثر من 40%. وهذا فتح جديد لمصر وباقي الدول التي تعاني من كثرة العنوسة لديها، بمنع المرأة من ممارسة ما نهى عنه البيان؛ لتحل مشكلة العنوسة لديها، وإلى الأبد. أكيد أن صاحب البيان يمزح، ويريدنا أن نضحك، ونجح في ذلك، ولذلك اكتسب بيانه وبحق صفة البيان الدرامي الهزلي، وإلا لو كان جاداً لذكر لنا إحصائيات الطلاق وانتحار الفتيات، التي بدأنا نبز فيها، لا العرب من حولنا وإنما الغرب، وبلا فخر، وكأنما لا يعني كاتب البيان، ويقض مضجعه غير كارثة تأخر الرجال في الحظوة بالنساء!

وصاحب البيان، يريد أن يكون عقلانياً، ولكن كعادته، أكد هزليته، حيث هو لا يمانع مناقشة النوازل والكوارث التي تتعرض لها بلادنا، مثل امتطاء الفتاة الخيل وممارستها الرياضة في المدرسة؛ ولكن بواسطة من كلفوا بأمر الفتوى، لا غيرهم! وبنفس الوقت، وبلهجة استنكارية يقول إن من يتحدث عن هذه الكوارث والنوازل من غيرهم فهو يعارض القرار الملكي الذي يقصر الفتوى بهم. وسعادته، ومن باب التفضل، لا يمانع أن تتم مناقشة نظام الأسرة والحفاظ عليها لغير المختصين بالفتوى! والغريب أنه لا يرى أن بيانه وبيانات زملائه طلبة العلم، هي من يتطاول على الأمر الملكي، وذلك كونها تتحدث باسم الشرع وتفتي به، أما غيرها فتصدر كوجهات نظر شخصية صرفة، اجتماعية واقتصادية وتنموية لا غير.

وفي ختام البيان انقلب أسلوب صاحبه الدرامي إلى نوع من الكوميديا السوداء، حيث جمع وحفز كل عضلاته العقلية والاستيعابية ليسأل صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة، إن كان غرضها من حضور مثل هذه المنتديات الاقتصادية الشهرة أو البحث عن مناصب متوهمة؟! يعني إلى هذه الدرجة وصلت عندنا قلة الوظائف والمناصب المتوافرة للنساء؛ لدرجة حتى ابنة الملك بقدرها وجلالها، تبحث عن وظيفة أو منصب بالتملق؟! هذا لعمري كارثة، يجب عدم السكوت عنها! خاصة تسميته المناصب النسائية بالمتوهمة، والتي بين المرأة وبينها، "حز الغلاصم" كما هدد بذلك، ولكن أن يدعي كاتب البيان أنه قد تخلى عن خيرات البلاد ولم ينافس العائلة المالكة عليها، فهذا بهتان وكذب، فالأسرة المالكة الكريمة لم تستحوذ على ثروات وخيرات البلاد لنفسها، كما أن مؤلف البيان درس من خيرات البلاد وتعلم حتى حصل على أعلى الشهادات، وهو يعمل ويستلم من منصبه أضعاف ما يستلمه زميله الذي قد يكون أكثر منه علماً وعطاءً في مصر أو سورية أو السودان أو تونس أو المغرب، هذا في حال أنه لا يتولى مناصب أخرى كإمامة جامع أو داعية أو مستشار لجمعية خيرية وما شابهها من مناصب، متاحة لحملة الشهادات الشرعية لدينا، يستلمون الأموال عليها عداً ونقداً، وبدون تأخير.

وبما أن أسلوب البيان الدرامي، انتقل من البهتان والكذب، إلى "الأكشن" فسأخوض مع مؤلفه في نفس الأسلوب. فأنا لدي ثلاث بنات فداء وتفاني وعروبة، وأنا متمسك بوجودي في هذه الحياة وأحرص على خيراتها لأجل عيونهن، وتأمين مستقبلهن، وهن أغلى عندي من الدنيا وزخرفها. كما أني من نجد ومن نفس منطقة مؤلف البيان، أي "ذو بأس شديد "حسب ما أورده؛ فمن أراد أن يخرج علينا من ظلمات عصر الجاهلية وجبروتها ضد الإناث، ويطالب بوأد بناتي أمام عيني، ويسعى ويطالب بتقطيع أرزاقهن ليجعل منهن سبايا، جاهزات كمتع لزيجات المسيار والمسفار والزواج بنية الطلاق والتعداد، أو يجعل منهن مخلوقات هلامية يفترشن الأرض للتسول؛ فدونه ودون ذلك تهشيم المعاصم وحز الغلاصم.

ولكنني كليبرالي، مستعد لتقديم حياتي، للدفاع عن حق ابنة كاتب البيان سارة في اختيار نوع التعليم والعمل المناسب لها؛ وبنفس الوقت، فلن أسمح لكائن من كان بالتدخل في خيارات بناتي في نوع التعليم أو العمل الذي يخترنه لأنفسهن بمحض قناعاتهن.