في «المجلس الطبيعي» يرفع درجة التكييف إلى الأعلى، ويعدل جلسته بين فينة وأخرى، ومع كل تعديلة يأخذ رشفة من شاهي النعناع؛ ويقول: المجتمع السعودي متطرف بآرائه، ومتشنج في قبول المختلف دينيا، ومذهبيا، وحتى فكريا.

وآخر في «المجلس الافتراضي» يستعصي عليَّ وصف حالته ومكانه، يغرد بأن المجتمع السعودي عاطفي، وسريع التأثر والذوبان في جماعات الإسلام السياسي.

ويتداعى بهذا المجلس وذاك مجموعة من المنظرين والراغبين الحديث عن أي شيء وكل شيء! وبالتالي يلتقط الإعلام المعادي هذه الغريدات ويعمل على تضخيمها!

مجتمعنا السعودي مثل غيره من المجتمعات بيئات ثقافية مختلفة، ومشارب فكرية متنوعة، ومذاهب متعددة، ومع ذلك يتجاوز الأزمات والتحديات دائما بصفِّه الواحد المتماسك، ولحمته الوطنية القوية خلف قيادته الحكيمة، فهذا النسيج المجتمعي المتنوع تعزز وحدته وقوة جبهته قيم التعايش التي يؤمن ويفخر بها، وعلاوة على ذلك الولاء للقيادة والانتماء للوطن.

مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ممثلًا في إدارة الدراسات والبحوث أجرى دراسة ميدانية حديثة بعنوان: «التعايش في المجتمع السعودي»، وطبقت الدراسة في 4 مناطق، وبلغ حجم عينة الدراسة 3144 مبحوثا من الجنسين ممن تجاوزت أعمارهم 15 عاما، وهدفت الدراسة إلى التعرف على واقع التعايش الاجتماعي في ظل التنوع المذهبي، وقدرتهم على الانسجام في التعاملات الاجتماعية والاقتصادية.

تؤكد الدراسة أن 95% من عينة البحث يحترمون الوفاء بالوعود والعهود والمواثيق مع الآخر المختلف معهم مذهبيا، وأنهم يحبون الخير للجميع بغض النظر عن خلفية الآخر الدينية والمذهبية، ويرى 90% أنهم يحاولون الابتعاد عن كلِّ ما من شأنه أن يثير الضغائن بينهم وبين المختلف معهم مذهبيًا، في حين يؤكد 88% أنهم يتعاملون بطريقة إيجابية مع الآخر، مهما اختلف معهم في وجهات النظر، فيما أبدى 84% تقبَّلهم بأن يكون زملاؤهم في بيئة العمل على غير مذهبهم.

وحول العلاقات الاجتماعية مع الآخر، أكَّد 77% عدم ممانعتهم من السكن في عمارة يكون أحد جيرانهم فيها على غير مذهبهم، فيما أبدى91% أنهم لا يمانعون من تقديم المساعدة إلى المختلف معهم مذهبيًا، بينما 82% أكدوا أنهم لا يتردَّدون في تقديم المساعدة والعون المالي إلى المحتاج من غير مذهبهم.

أما فيما يتعلق بمشاركة المختلف مذهبيا أفراحه وأتراحه؛ أبدى 91% منهم سعيهم إلى نشر ثقافة التسامح مع الآخر، بينما يؤكد 84% أهمية إقامة العلاقات مع الآخر على أساس قاعدة المواطنة والسِّلم الأهلي، في حين أبدى 76% استعدادهم للتحاور مع المختلف معهم مذهبيا، وتبادل الآراء معه.

وبخصوص العلاقات الاقتصادية من بيع وشراء ومشاركة في المشروعات، أكد 77% عدم ممانعتهم من توظيف شخص على غير مذهبهم في شركاتهم الخاصة، بينما قال 74%، إنهم لا يمانعون إعطاء الزكاة والصدقات للمحتاجين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي.

وعي المجتمع السعودي السياسي والأمني؛ وإدراكه العميق للأخطار التي يحيكها الأعداء ضد وطنه ومكتسباته، تجعله يرى هذا "التنوع والتعدد" قوة يجب تعزيزها بالعمل على تعظيم النقاط المشتركة بين مكونات وأطياف المجتمع، وترسيخ التسامح ونشر ثقافة التعايش، وتأصيل الانتماء والمواطنة وتعميقها في نفوس ووجدان أبناء الوطن الواحد.