تُعدّ الخطابة أحد الفنون النثرية التي تمتاز بفصاحة اللغة وقوة الحجة والمنطق، والهدف الرئيسي من الخطابة هو الإقناع، فكل ما كان الخطيب مفوّها كان مقنعا وقادرا على جذب أفئدة الناس.

ظهر فن الخطابة منذ قديم الأزل، حيث كان أول كتاب في فن الإلقاء هو لأرسطو صاحب كتاب الخطابة، واشتهر اليونانيون بأنهم أول من دوّن علم الخطابة.

وبرز العرب في هذا الفن من عصر الجاهلية، وكانت الخطابة في معظم العصور والشعوب تتنوع بين السياسة والخطابة الدينية، والمفاخرة والتهنئة والعزاء، كأبرز المحاور للخطباء، وكان من أشهر وأفصح الخطباء العرب قيس بن ساعدة، فهو أول من قال في خطبته: «أما بعد»، وهو أسقف نجران وخطيب العرب وقاضيها وحكيمها، وغلبت الخطابة السياسية في عصور الإسلام، منها العصر الأموي، وكان من أشهر الخطباء معاوية بن أبي سفيان، وعبدالملك بن مروان، وعمر بن عبدالعزيز، والحجاج بن يوسف الثقفي.

أوروبيّا، كان من أشهر الخطباء «دانتي»، الذي ألّف كتابه المشهور «الكوميديا الإلهية»، وبرز في الحروب الصليبية الخطيب «جون هوس»، واشتهر بمهاجمة البابا وقساوسته الذين يبيعون صكوك الغفران، وكونت دي ميرابو في فرنسا الذي وصلت كتاباته وخطبه السياسية إلى الناس، وأصبح بعدها عضوا في البرلمان، وواحدا من أشهر السياسيين.

في العصر الحالي، تحولت الخطابة من المنابر إلى الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، واشتهر كثير من الأشخاص بفصاحة اللسان وقوة الأداء وتناغم الكلمات، و(لَبِسَ) البعض عباءة الدين، واستغل تلك الموهبة لتحقيق مآرب متعددة، أولئك الأشخاص أنفسهم الذين حرّموا الفضائيات يوما ما ولعنوا «الإنترنت» واتهموه بخراب البيوت، هم من أصبحوا يتسابقون للخروج في جميع الفضائيات وعلى مواقع التواصل، يتلاعبون بمشاعر الناس ويدغدغون العواطف، ويكسبون قوت يومهم خلال «بيع» الحكي للمستمعين.

صدر مؤخرا خبر منع المدعو «عدنان إبراهيم» من الظهور في بعض القنوات ، وهو قرار صائب وإن جاء متأخرا، فرجل أضاع عمره في سبّ رموز إسلامية، وفي الحديث عن خلاف حصل قبل 14 قرنا، لهو فارغ وليس لديه أي جديد يقدمه، ليته قدم لنا شيئا إيجابيا أو أسهم في تعليم الشباب العربي، أو تنويرهم بفكر جديد، بدل أن يقضي نصف عمره وهو يسبّ من ذهب إلى لقاء ربه منذ قرون عدة، وأسهم سقوط ذلك «الأفاق» في سقوط «ثرثار» آخر يزعمُ أن «الفرخة» قد تقودك إلى الجنة، فضلا عن استغلال بعض الوعاظ بخلط الفتاوى بإعلانات «الأرز» و«الفيمتو» و«اللقيمات»، ولن أستغرب أن نرى إعلانات لمطاعم «البخاري».. «الفرخة عليكم والرز علينا»، كجزء من التعاون الإخواني بين خطباء المنطقة العربية.