يستقبل الوطن كل عام مخرجات جديدة من أبنائنا وبناتنا من المدارس الثانوية في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها، ويتطلع معظمهم إلى الالتحاق بالتعليم الجامعي لاستكمال دراستهم العلمية في التخصصات المختلفة المتاحة، لينضموا إلى القافلة الوطنية لمواردنا البشرية والتي يتطلع الوطن إلى تأهيلها وتمكينها من الانخراط في سوق العمل الوطني، لتسهم تلك الكوادر الوطنية في المشاركة في بناء وهيكلة سوق العمل الوطني بقاعدته المتنوعة وعطائه المأمول وتطلعاته المستهدفة، ولتكون مخرجات الجامعات قيمة مضافة لمقدراتنا الوطنية بجميع مضمونها البشري والمادي، ولينضم فئات منهم لبعض القطاعات المهنية والاقتصادية المختلفة في سوق العمل، ليؤسسوا اللبنات الأولى فيها والتي لا زال يستأثر بها غير المواطن بنسبة كبيرة، في حين ينضم الآخرون للقطاعات الأخرى ليشاركوا في إدارة دفة سوق العمل المحلي ويضيفوا إليه المزيد من مخرجاتنا الوطنية، التي تشكل البنية الأساسية لمكونه البشري بقطاعاته العلمية والفنية والتقنية المختلفة.

 ومع انطلاق برنامج الابتعاث الخارجي الجديد لهذا العام كأحد البرامج الوطنية المرتقبة لاحتواء بعض من مخرجات الثانوية العامة، من خلال الابتعاث الخارجي في التخصصات المختلفة المستهدفة لتحقيق تطلعات التنمية الوطنية وطموحات رؤية 2030؛ فإننا بحاجة لتحديث لائحة الابتعاث الخارجي وبما تحويه من بنود ومواد تعيق إجراءاته وتحد من إمكانية الالتحاق به للكثير من أبنائنا وبناتنا، ليكون البرنامج أكثر مرونة وواقعية مع متطلبات المملكة الجديدة، بل وإن ذلك يعتبر جزءا لا يتجزأ من متطلبات برنامج التحول الوطني، الذي يسعى نحو التمكين المؤسسي والبشري لمواردنا الوطنية بالوسائل الداعمة والآليات المساندة لتحقيق الرؤية المستهدفة، ويعتبر تحديث ومراجعة الأنظمة والتشريعات المؤسسية لكثير من القطاعات، أحد أهم الآليات والإجراءات المطلوبة لخدمة مشروعنا الوطني لتمكين توجهاتنا التنموية الوطنية الجديدة وتطلعاتنا الإستراتيجية من التحول إلى واقع نشهده ونعيشه ونلمس فاعليته وتأثيره ونحصد ثماره، لكي لا يكون حلماً يراودنا أو طموحاً نأمل في تحقيقه، دون أن نعد العُدة له ونأخذ بمبادئه الأولية، فيكون سراباً نراه في الأفق ولا نستطيع الوصول إليه أو بلورته إلى منجز وطني ينعم به الوطن والمواطنون.

 ومن جهة أخرى فإن تنشيط الابتعاث الداخلي إلى جامعاتنا وكلياتنا الأهلية التي راهنت على المشاركة في عملية التنمية والاستثمار في مشاريع تعليمية متميزة أصبح أمراً لا بد منه، ويحتاج إلى دعم وطني ومساندة رسمية مدروسة وضبط إجرائي وعلمي لجميع هيكلها الأكاديمي والإداري، لتكون مخرجاتها منتجا محليا يفخر به الوطن في جودته وفي مستوى تأهيله وعطائه، وبما ينافس به المنتج الخارجي من الابتعاث، ليكون شريكاً فعلياً في التنمية، ومساهماً في تمكين مواردنا البشرية من تحمل مسؤوليتها الوطنية في تحقيق نهضة تنموية شاملة، بالمشاركة الفاعلة في بناء مستقبلنا الذي نسعى إليه ومشروعنا الوطني المرتقب، بما يستهدفه من تطلعات إستراتيجية ترتكز على أهمية تنويع قاعدتنا الاقتصادية بالمنتجات المختلفة التي تضيف لاقتصادنا الوطني المزيد من القيمة المضافة في نوعيتها وجودتها وتنوعها، وبأيدي وعقول ومهارات لكوادر وطنية مؤهلة ومتمكنة علمياً ومهنياً، تستطيع إدارة وتشغيل اقتصادنا الوطني بقطاعاته التنموية المختلفة لتبني السعودية الحديثة.

 ولعله من المهم التنويه إنه على الرغم مما تعانيه بعض مؤسسات التعليم العالي الأهلية من الإخفاقات الملحوظة في مخرجاتها من مواردنا البشرية، والذي كان نتيجة لضعف وخلل في آلية ومستوى المتابعة المأمولة من وزارة التعليم، لضبط تلك المؤسسات التعلمية سواء في هيكلها البنائي الأكاديمي أو مستوى جودة محتواها العلمي وتميزه، أو غير ذلك من المعايير والمتطلبات التي تحكم جودة المخرجات، فإن ذلك جميعه لا يقلل من أهمية وجود مؤسسات التعليم العالي الأهلي، ليس لكونه أحد مستهدفات برنامج التحول الوطني في قطاعه التنموي الخاص بالتعليم وسوق العمل فحسب، وإنما لأنه يسد العجز الحاصل في إمكانية جامعاتنا الوطنية الحكومية من احتواء مخرجات الثانوية العامة المتطلعة إلى الجامعات، والذي يشكل نسبة كبيرة من حجم مخرجات الثانوية، خاصة مع تعقيدات إجراءات القبول في الجامعات ومتطلباتها العالية إلى حد ما، مقارنة بمستوى مخرجات الثانوية العامة والذي يشكل فجوة تعليمية ملحوظة بين القطاعين تتطلب تعاون التعليم العام والعالي في تأهيل تلك المخرجات للتمكن من الالتحاق بالتعليم العالي، سواء من خلال السنة التحضيرية الملحقة بالجامعات، والتي يجب أن تكون عامة وشاملة لجميع التخصصات، أو من خلال سنة تعليمية تضاف إلى الثانوية العامة بعد إنجازها، تُمكن من التأهيل لدخول الجامعة أو غيرها من الكليات المتخصصة، ويعتبر ذلك الإجراء ليس ابتداعا إنما هو سياسات وإجراءات تعليمية وتنموية مدروسة، سبقتنا بها دول أخرى تمكنت خلالها من تحقيق إنجازات وطنية مبهرة ومخرجات متميزة لمواردها الوطنية انعكست على ما تعيشه من نهضة تنموية، مكنتها من القفز بمراحل في سلم التنمية البشرية ومنجزاته الوطنية، حتى أصبحت تنافس الدول المتقدمة في الاستئثار بمكان الصدارة في جودة ومستوى مخرجاتها التعليمية عالمياً وقومياً.

 وعليه فإنه من متطلبات تحقيق برنامج التحول الوطني لحصد ثمار منجزاته، الاهتمام بالابتعاث الداخلي والخارجي بعد ضبط وتحديث أنظمتهما التشريعية والقانونية، ومتابعة وتقييد المعايير الضابطة لجودة مخرجاتهما، وبذلك نحصد ثمار أموال تنفق وجهود تبذل وموارد بشرية تضخ في برامج الابتعاث، وحيث إن الابتعاث الخارجي مكفولة نفقاته من الدولة رعاها الله، فإن الأمل معقود على إعادة تنشيط ودعم الابتعاث الداخلي للجامعات والكليات الأهلية، وإلا فإن ما تم إنشاؤه منها سيكون مهددا بالإغلاق والركود لعدم إمكانية غالب شرائح المجتمع من تحمل نفقاته وتكاليفه، وبذلك نستطيع أن نحقق قفزات تنموية على مستوى منجزاتنا البشرية، تمكننا من إحداث نقلة نوعية في إنتاجنا المحلي واقتصادنا القومي.