نختلف كثيرا في تقييم نتائج أعمالنا أو مشاريعنا المتنوعة، كما تتباين تقديراتنا لمستوى منجزاتها ومدى تحقيقها لتطلعاتنا، ولا نتوافق كذلك في تفسير ماهية الأسباب التي تؤدي إلى تلك النتائج والمنجزات التي قد لا توافق توقعاتنا أو طموحاتنا، ولذلك الاختلاف أسبابه ودوافعه المرتبطة بالثقافة العامة للمجتمع، والتي يسهم الإعلام في بنائها ونشرها وترويجها، والثقافة الشخصية لكل فرد من أفراد المجتمع، ويُلحق بذلك أساسيات مُمكنة تمثل البنية التحتية والقاعدة المتينة لتكوين الفكر الإنساني، وتسهم في تشكيل الشخصية الذاتية للفرد، وتعمل على بناء قناعات ورؤى مختلفة لأفراد المجتمع.

ويتصدر المستوى العلمي تلك الأساسيات المُمكنة، والذي يُصقل ويُدعم بالخبرة والوعي والتمرس في الأمور المعني بها، بالإضافة إلى الدراسة الخاصة بالمشروع والاطلاع الواسع حول كل ما يحيط أو ما يتعلق بالقضية المستهدفة، خاصة في عصر تتقدم فيه وسائل الاتصال وينتشر محتواها، ويتنوع التقدم التقني والمعلوماتي ويتنافس في إبداعاته وابتكاراته، بما يتيح ويمكن الباحث والمسؤول من الوقوف على دقائق الأمور، وجُلها فيما يتعلق بقضيته المعني بها أو مشروعه المكلف به، وعلى ذلك يقوم العمل والإنتاج، وبه تتحدد النتائج والتطلعات، ومن حيثياته يمكننا بلورة مستوى الإنجاز المتوقع والحصاد المستهدف، فالنتائج لا تأتي صدفة -إلا فيما ندر- ونوع الحصاد وجودته لا يخالف الزراعة إطلاقا ولا يأتي مناقضا لها، إذا ما تم الأخذ بأساسياتها الصحيحة ومبادئها الأولية وقواعدها العلمية وما يتعلق بها من عوامل مساندة وداعمة لجودة العطاء وتميزه، وبذلك نستطيع ضمان النتائج المرجوة من مشاريعنا المستهدفة أو برامجنا المقصودة -بعد توفيق الله-، كما نستطيع الوثوق بمستوى الإنجاز المأمول.

يوفر لنا العلم والتخصص الدقيق في العلوم المختلفة، القاعدة المتينة لإدارة برامجنا الاقتصادية والتنموية والاجتماعية المختلفة، كما تتيح الخبرة والشراكات المجتمعية بين مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والعام، فرصا أكبر للنجاح ومجالا أوسع لجودة العطاء وتميز الإنتاج، لأن ذلك يوفر البنية التحتية الداعمة لقوة المنتج وملاءمة طرحه المتنوع، لكونه يعكس تعاونا فكريا وعلميا ومشاركة مجتمعية بين جميع القطاعات والشرائح التي تكون المجتمع بأفراده ومؤسساته تحت مظلة الوطن.

ولعل من بديهيات الإعداد لأي برنامج وطني أو مشروع مستهدف، أن تُعدّ العدة له وتبنى أساسيات انطلاقه بما يتواءم مع طبيعة المشروع ومستوى الإنجاز المأمول وحجم المنافسة له في السوق الوطني والعالمي، وبذلك يكون الحصاد مثمرا والجهود مجدية والإنفاق مردودا ومجزيا، وبتلك الأساسيات يمكن إثبات الوجود اللائق والمكانة الملائمة للمشروع بما احتواه من جهود وإمكانات مصاحبة، بل وبما يمكنه من المنافسة والاستئثار بالصدارة في الميدان المقصود.

وإن من أولويات التأسيس لمشاريع ناجحة وبرامج متميزة مضمونة النتائج لتحقيق الأهداف المقصودة منه ولحصد الثمار المأمولة، بعد دراسة جدواه الاقتصادية أو التنموية أو الاجتماعية، أو الوطنية هو الآتي:

1. تحديد الأهداف المقصودة من المشروع أو البرنامج بما يتضمنه من تفاصيل مادية وبشرية، أو نظرية وعملية وفنية مختلفة.

2. بناء الخطط الملائمة لتحقيق تلك الأهداف، ومنها ترسم خارطة الطريق للمشروع وتتحدد معالمه العملية والإجرائية.

3. وضع الإستراتيجيات المناسبة للتنفيذ، والآليات والأدوات المختلفة التي تخدم تنفيذ المشروع كما هو مستهدف ومخطط له.

4. عمل خطة أو برنامج خاص بالمتابعة المرحلية لواقع التنفيذ بحيث تكون المتابعة شفافة ومتمكنة ومسؤولة عن النتائج المأمولة.

5. طرح كافة التحديات والمنافسات أو العوائق التي قد يتعرض لها المشروع أثناء التنفيذ وبعده، وما الخطط البديلة؟

6. تقييم المشروع بعد الانتهاء من تنفيذه أو إنشائه وقبل النزول به إلى السوق، ويكون ذلك بالاختبار والتجريب والاستقصاء والمقارنة وغيرها.

ومما يجدر التنويه إليه أنه على الرغم من اختلاف طبيعة المشاريع الوطنية والبرامج المستهدفة، إلا أنها جميعها تحتاج إلى تلك المبادئ العلمية والأوليات الأساسية لتنفيذ برامج ناجحة وطنيا ومتميزة ومنافسة إقليميا ودوليا، وبذلك يمكننا تحقيق نتائج إيجابية مأمونة لمشاريعنا، ونحصد نجاحا موثوقا لجهود تبذل، وأموال تنفق، وأوقات تستهلك، وبرامج ترصد، كما يمكننا ترجمة تلك الأهداف والخطط إلى منجزات حقيقية ملموسة، وتطلعات مرتقبة تجسد طموحاتنا المأمولة في نموذج واقعي نعيشه.

ومع تقدم العلوم المختلفة وبما تتضمنه من أسس علمية وقواعد بنيوية، لا يمكننا تهميش العلم وقواعده في عصر المنافسات والإبداعات العلمية، وإن البداية الصحيحة لتصويب مسارنا التنموي ومشاريعنا التي تتعثر في تنفيذها، أو لا تعطي النتائج المتوقعة منها هو: مراجعة حيثياتها وملابساتها وتحليلها، والاعتراف الشفاف بجوانب الإخفاق فيها، وما أسبابه وما هو الخلل الأهم الذي أدى إلى تلك النتائج غير المرضية أو المخالفة للتوقعات، وبذلك نستطيع الإنجاز، فالخطأ ليس عيبا، وإنما العيب أن نستمر في أخطائنا ونكابر في الاعتراف بأسبابها.

وحيث إن المشاريع والبرامج تختلف في طبيعتها ومكوناتها ووسائلها وأدواتها، كما تتباين في مستوى ما يعنيه المشروع ويحققه من تطلعات لشرائح المجتمع المختلفة والرمز الوطني، فإن المشاريع العملية الوطنية التي تتُرجم نتائجها بشكل فوري جازم وغير قابل للتشكيك والتفاوض والتخمين، وبما يُظهر حجم الجهود المبذولة فيها، ويكشف مدى مصداقية ونجاح الخطط والإستراتيجيات التي تبنت المشروع، وما مدى التقييم والمتابعة المسؤولة والاختبار الحقيقي لمستوى الإنجاز قبل المغامرة به في السوق التنافسي، فإننا عليه نحتاج وبقوة لأن نستفيد من نتائج تلك المشاريع والبرامج، كنموذج ومؤشر لمتابعة وتقييم طبيعة الأداء العام في كافة القطاعات التنموية الأخرى، ولتكن تجاربنا لمشاريع لم تحقق تطلعاتنا عظة وعبرة لنا في الأخذ بالتدابير الأفضل والتمكن الأعمق، والاستيعاب الشامل لما نقدم عليه من برامج، وبذلك تتحقق منجزاتنا كما نتمناها، فمتى حسُنت الزراعة يجود الحصاد، ويزدهر العطاء، ويرتقي الوطن.