في المشهد القانوني السعودي غرائب، من هذه الغرائب اللبس القائم، والصورة النمطية الخاطئة التي تقول إن تخصص العدالة الجنائية هو تخصص قانوني، تخصص العدالة الجنائية تخصص نادر، لكنه ليس تخصصا قانونيا لأسباب أشرحها، ابتداء فإن المتخصصين بالعدالة الجنائية لم يستطيعوا الحصول على رخصة المحاماة حتى حصلوا بعد مطالبتهم لوزير العدل السابق الدكتور محمد العيسى باستثناء، وهذا الاستثناء موقت، وقد ينتهي وربما يجب إيقافه، طلبة العدالة الجنائية يدرسون جزءا من المواد القانونية ليس من أجل ممارسة المحاماة كمن يدرس القانون، بل من أجل الاطلاع في تخصصهم على القانون، والتعرف عليه بشكل جزئي، وهذا لا يعدهم للمهن القانونية.

كما أن تخصصهم يدرس القانون الجنائي والمؤسسات العقابية من وجهة نظر الضحية والمجرم، وهي وجهة اجتماعية بامتياز، ويدرسون معها علم الإجرام والعقاب والسياسات العقابية، لذلك فهذا التخصص مطلوب لمن يريد العمل في القطاعات الأمنية كشرطي أو محقق مثلا، وليس الغاية أن يمارس المحاماة أو الاستشارات القانونية. إن هذا التعدي الصارخ على خريجي تخصص القانون غير مقبول، ويوضح تماما أننا عندما نتخذ أي قرار فإننا لا ندرسه ولا ندرس تبعاته، في الولايات المتحدة الأميركية هناك عدد لا بأس به من المبتعثين السعوديين يدرسون تخصص العدالة الجنائية بكافة المراحل، من بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، وهذا يختلف تماما عن دراسة القانون في أميركا، حيث لا تبدأ دراسة القانون إلا في مرحلة الدراسات العليا فقط، وكما أن دراسة العدالة الجنائية في أميركا لا تؤهلك لدخول اختبار رخصة المحاماة بدون دراسة القانون، وهنا يتضح تماما الفرق، فكيف تسمح وزارة العدل لهؤلاء بممارسة المحاماة في حين أنهم عندما درسوا في أميركا لم تعتبرهم الجهات التعليمية الأميركية مؤهلين للمحاماة كخريجي تخصص القانون!

ليس من اختصاص وزارة العدل إيجاد وظائف لهؤلاء على حساب المتخصصين بالقانون، حتى وإن كان تخصصهم حساسا ومهما، العدالة الجنائية كما قلت تركز على الضحية والمجرم في المؤسسات العقابية وكذلك النواحي الاجتماعية، في حين القانون الجنائي يركز على الجريمة من ناحية القانون والعقوبة الواجبة التطبيق، حتى لو أن الخطة الدراسية لتخصص العدالة الجنائية في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية خطة قانونية بامتياز، فهذا يعني أن من وضعها ربما ليس متخصصا في العدالة الجنائية، ولا يدرك الفروقات بينها وبين تخصص القانون، لهذا أطالب بإيقاف اعتبار تخصص العدالة الجنائية تخصصا قانونيا.