‏?يخطئ كثير من المحللين السياسيين والمتابعين، عندما يربطون بين جماعة الحوثيين الإيرانية ومحافظة صعدة التي يصورونها على أنها أرض التمرد التي تتبع كلها للانقلابيين، وتقف مع مشروعهم التآمري الذي يهدف إلى إضاعة اليمن وربطه بالمشروع الإيراني الفارسي التوسعي، وهو الربط الذي يرفضه غالبية مشايخ المحافظة الذين يؤكدون في كل مناسبة، أنهم جزء من مهد العروبة، وفي مقدمة من يعارضون هذه الجماعة المارقة، لأنهم أول من اكتوى بنارها وذاق ويلاتها، ودفع ثمن سكوت المجتمع الدولي على تصرفاتها الخارجة على القانون طوال السنوات الماضية.

فالحركة التي تأسست عام 1992 اقترفت جرائم بحق سكان المحافظة، فشردتهم من ديارهم، وأرغمت كثيرا من الضعفاء والفقراء على إرسال أطفالهم إلى جبهات القتال، بعد أن أغلقت المدارس والجامعات، وأججت الخلافات المذهبية والنعرات الطائفية، وافتعلت الأزمات، وأوجدت حالة من عدم الاستقرار، والشحن النفسي السلبي، تحقيقا لمعادلة «فرِّقْ تَسُد» الشهيرة التي تقوم على قسمة المجتمع إلى قسمين: مؤيدون ينالون حقوق غيرهم ويتمتعون بما لا يملكون. ومعارضون يتعرضون لأبشع أنواع الانتهاكات، لمجرد الاختلاف معهم في الرأي أو التوجه.

كل هذه المآسي والويلات تعرض لها أهالي صعدة، لمجرد أن قدرهم شاء أن يكون مؤسسو التمرد من بينهم، رغم أن مجتمعهم لم يُعرف سوى بالتسامح والتعايش والتراحم، والبعد عن كل ما يفرق بين أبناء الوطن الواحد، والحرص على القواسم المشتركة.

وللأسف، فإن جماعة الحوثي حاولت كثيرا تعزيز هذا المفهوم الخاطئ في نفوس من وقعوا في الفخ، وروّجت أن المحافظة بالكامل تؤيدهم وتقف وراءهم، إلا أن القيادة السعودية أدركت هذا المخطط منذ وقت بعيد، وتصدت لمهمة تصحيح المفاهيم، واتخذت خطوات عملية في سبيل تنفيذ هذا الهدف، فخلال العقود الثلاثة الماضية، لم تتوقف قوافل المساعدات الإنسانية التي ترسلها المملكة عن صعدة، وتعددت المنشآت الصحية والتعليمية فيها. حتى بعد اندلاع عاصفة الحزم كان لتلك المساعدات دور كبير في إنقاذ سكان المحافظة، ومساعدتهم على البقاء والاستمرار، ومواجهة تبعات اندلاع الحرب.

كما استجابت السعودية فورا لدعوة الرئيس الشرعي، عبدربه منصور هادي، الذي طلب التدخل لمواجهة الانقلاب الحوثي المدعوم من نظام طهران، فتم تشكيل التحالف العربي الذي تصدى للمتمردين.

ولتأكيد المفهوم الخاطئ، فقد اتخذ الانقلابيون من بعض الجيوب الحدودية في محافظة صعدة منطلقا لإطلاق صواريخ الغدر الإيرانية على مدن ومناطق المملكة الحدودية، ظنا منهم أن القوات السعودية ستقوم بمعاقبة أهالي المحافظة بصورة جماعية، لكن الرياض التي تدرك حقيقة الوضع، لم تنجرف وراء ذلك الفخ، وتولت تطهير المحافظة من كل جيوب التمرد، تحقيقا لمصلحة السكان، وتدمير مناطق انطلاق تلك الصواريخ، كما قدمت كثيرا من المساعدات المادية والعسكرية واللوجستية، لدعم الثوار، وتكوين نواة للجيش الوطني، وتوفير كل مقومات اندلاع انتفاضة شعبية.

ومع اندلاع عاصفة الحزم، كان لمشايخ وسكان صعدة موقف واضح، انحازوا بموجبه إلى الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي، وقدموا مساعدات كبيرة لقوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني وقوات التحالف العربي التي تقودها المملكة، فتكونت لجان المقاومة الشعبية وكتائب الثوار، الذين هبّوا في وجه المشروع الحوثي التدميري، ووجّهوا له ضربات ساحقة، وباتت كتائبهم على مقربة من جبال مران التي يستغل زعيم التمرد عبدالملك الحوثي كهوفها للاختباء، وحققت تلك القوات التي يتزعمها الشيخ يحيى مقيت تقدما كبيرا على كل الجبهات، وأرغمت قوات التمرد على التراجع، بعد أن أوقعت في أوساطها خسائر فادحة، ودفعت الانقلابيين إلى سحب قواتهم من جبهات أخرى لدعم قواتهم المنهارة.

ومع تحقيق المقاومة الشرعية كل تلك النجاحات، قال مشايخ صعدة كلمتهم، بوضوح لا لبس فيه، برفضهم أي نوع من الارتباط بالإرهابيين، وتأكيد وقوفهم إلى جانب الحكومة الشرعية، ورفضهم كل أشكال الارتباط بمن ارتضوا أن يكونوا أداة هدم لأوطانهم لمصلحة أجندة خارجية، تقوم على تأجيج الخلافات العنصرية والمذهبية.

وأكدوا أن محافظتهم ستظل عربية، وبوابة للتلاحم بين اليمنيين وإخوتهم في المملكة، وكل دول الخليج، ولن تطأها قدم عميل أو خائن.

هذا الارتباط الوجداني بين قبائل صعدة وإخوانهم في المملكة، يعود إلى سبب رئيسي هو إدراك قبائل اليمن العريقة أنها تمثل البعد الإستراتيجي لمحيطها العربي والإسلامي، وخط حماية رئيسيّا له، استنادا إلى عناصر عدة تقوم على الدين الجامع واللسان الواحد والمصير المشترك، وتعزز ذلك وشائج القربى وعلاقات المصاهرة، وتدعمه طيب العلاقات المتجذرة في التاريخ، إذ دأبت المملكة وبقية دول الخليج العربي على الوقوف إلى جانب إخوانهم في اليمن، حبّا وكرامة، وليس مَنّا ولا أذى، بل قياما بواجب تحتّمه علاقات الأخوة الراسخة. حتى مستشفى السلام الوحيد الذي لا يزال يعمل في صعدة ويستقبل المرضى، يعلم الجميع أنه يدار بأموال سعودية، وتتولى المملكة الصرف عليه، وتوفر رواتب أطبائه والعاملين فيه، وإمداده بما يحتاج إليه من أدوية ومعينات طبية، ليقدم خدماته للجمهور دون أي اعتبارات طائفية أو سياسية أو مناطقية.

لذلك، أدرك سكان المحافظة الفرق بين أتباع الملالي الذين يقدمون له الموت والدمار والتشريد، ومن اعتادوا على إرسال شحنات الأسلحة والمتفجرات والألغام، وبين من يمدون أياديهم بالخير والمساعدات، ويحرصون على تزويد المستشفيات بالأدوية والمعينات وحليب الأطفال وكل مقومات الحياة.