قد لا يخفى على أحد أهمية النقد ودوره في تلافي السلبيات وتصحيح المسار. الكل يحتاج إلى النقد الصادق والهادف: الجهات الحكومية، والشركات الخاصة، والمشاريع التجارية، والأعمال الفنية، والأصدقاء، والأبناء، والطلاب، والموظفون. تقريبا كل شيء وكل إنسان يحتاج إلى نقد.

اليوم، وبعد أن أصبح العالم قرية صغيرة، ظهرت لنا أزمة جديدة في قضية النقد، جعلت الناس عندنا يختلفون في تعاطيهم مع النقد، وانقسموا عليه إلى قسمين: قسم ما زال مؤمنا بأهمية النقد، ويعتقد أنه كمبدأ لا يمكن التنازل عنه مهما كانت الظروف، وموقفهم منه كموقف الفيلسوف كانط في مسألة وجوب قول الحقيقة.

فكانط مع الصدق دائما وفي كل الأحوال، وضد الكذب حتى لو كانت هذه الكذبة البسيطة قد تنقذ حياة إنسان من موت محقق.

القسم الآخر يقول عن نفسه، إنه مؤمن بالنقد أيضا، ولكنه يرى أولوية تعطيله في الوقت الراهن، والسكوت عنه بسبب الظروف السياسية المتوترة في المنطقة، والأخطار التي تحيط ببلادنا -حفظها الله- كي لا يكون هذا النقد سلاحا في يد الأعداء والمتربصين ويستغل ضدنا.

لا شك أن تحييد كل الظروف المحيطة وإهمالها بدعوى أهمية النقد، كما يفعل مؤيدو القسم الأول هو أمر غير واقعي.

وفي المقابل، المبالغة في شيطنة أي نقد -مهما كان بسيطا- بحجة تربص الأعداء كما يفعل مؤيدو القسم الثاني هو أمر مبالغ فيه.

المشكلة الحقيقية التي نواجهها اليوم تكمن في تعوُّد المجتمعات العربية -مؤخرا- ومنها المجتمع السعودي، على الاصطفاف حول القضايا والآراء التي تكون حديث الساحة بأحد موقفين: إمّا مع أو ضد، وذلك نتيجة الصراع الفكري والأيديولوجي في المجتمع، فيلجأ الأكثرية إلى الحكم على أي فكرة أو رأي خلال مواقف الأفراد الفاعلين فيه ومن يمثلون!، فتصبح الآراء ليست مبنية على منطلق الحق والباطل، وإنما مبنية على موقف من تبنى هذا الرأي ومن عارضه.