ألاحظ كثيرا من المخططات الحديثة، التي لم يتم فيها بناء مساكن، قد بُنِي فيها عدة مساجد، وهذا يدل على رغبة الناس في الخير، فإن من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتاً في الجنة.

ولكن كم كنتُ أتمنى أن ينتشر الوعي في تعدد العمل الخيري وتنوعه، ففضل الله واسع، ومجالات الخير كثيرة، ليست محصورة في عملٍ واحد فقط، وإذا كانت الدولة أيدها الله تبذل الخير من بناءٍ للمساجد، والمستشفيات والطرق والمساكن وغيرها، ولم تُقصِّر في ذلك، كما هو مُشَاهَد، فإنها بحمد الله تتيح الفرصة لكل مواطن أراد أن يعمل خيرا، ويتقرب إلى الله في الإسهام في النفع العام، وفق الإجراءات التنظيمية في ذلك.

والنفع العام: ليس محصوراً في بناء المساجد مع أهميتها، بل هو متنوع ولله الحمد، وفي كلٍ خير.

فسقي المحتاج شربة ماء، عملٌ خيري، وسبب للمغفرة، ففي الصحيحين: (بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به)، فإذا كان هذا في الإحسان إلى كلب، فما بالك بالإحسان إلى إنسان مسلم؟

وإماطة الأذى عن الطريق، تسهيلا على سالكيه من المسلمين عملٌ خيري، غفل عنه بعض الناس، وكان بإمكانهم أن يُسهموا في تعبيد الطرق وإزالة ما يؤذي المسلمين في طريقهم، حسب القدرة، ففي الحديث الصحيح: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك في الطريق، فأخَّره، فشكر الله له فغفر له)، وأيضاً من الأعمال الخيرية التيسير على المعسرين من المسلمين ومسامحتهم، فذلك سبب للمغفرة، ففي الحديث الصحيح: (كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا، فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه)، وبعض الأغنياء الموسرين اليوم لا يُنْظِرون المعسرين من إخوانهم، فضلاً عن مسامحتهم، وقد قال تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)، وربما لو علم هذا الغني أن السماحة سبب لدخول الجنة، وليس فقط في بنائه لمسجد، لجمع بين الحسنيين، بناء المساجد، والسماحة مع المعسرين.

والمقصود: أن أبواب الخير كثيرة، وكلما كانت الحاجة أكبر، كان الأجر أعظم، فبناء منزل لأسرة مسلمة محتاجة لا تجد مسكنا، يُعد من أفضل الأعمال، وقد اطلعتُ على عملٍ متميز في هذا المجال قام به أمير القصيم د فيصل بن مشعل وفقه الله، فقد زار بعض القرى والهجر، واطلع على حاجة بعض الناس الضرورية إلى السكن، فأحبَّ أن يفتح باب الخير للناس القادرين، فأنشأ جمعية أسماها (جمعية الإسكان الخيري)، فتبرع حينئذٍ فاعلوا الخير، فتمّ بناء عشرين وحدة سكنية كمرحلة أولى في مدة خمسة أشهر، وسُلمت لساكنيها، وتم عمل عرض مرئي لذلك في جلسة الأمير الإثنينية بقصر التوحيد في القصيم، وكنتُ حاضرا تلك الجلسة، فلما رأى الناس هذا العمل الخيّر، وفرحة المحتاجين وأطفالهم، توالى تبرع أهل الخير، وقد سمعتُ أحدهم يقول للأمير أنا أتبرع بمليون ريال، وهذا من توفيق الله للأمير إذ دلّ الناس على الخير، وشجّعهم عليه، فكثير من الناس لديهم أموال كثيرة، أنعم الله بها عليهم من خيرات هذا الوطن، ويرغبون في إنفاق بعضها بطريقة موثوقة فيما يُقربهم إلى الله، فكان من فضل الله عليهم أن دلّهم الأمير الموفق على هذا العمل الخيري العظيم، ويسّره عليهم، فصاروا يرون ثمرة تبرعهم واقعاً مُشَاهدا، والمتبرع إذا رأى أمام عينيه ثمرة إنفاقه، فرأى المسكن الذي بناه تسكنه أسرة مسلمة معوزة، ورأى ابتسامات الأطفال بعد أن ملكوا منزلا من تبرعه، فإن ذلك يزيده فرحا وانشراحا، وبذلاً وعطاء، ولا يضيع الله أجر من أحسن عملا، والمال مال الله، والله تعالى يقول: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم).